فعلمُه بصفة الفعل هو الموجب لذلك الحكم لأنه عليم حكيم فالعلة والحكم بهذا التفسير قديمان وكذلك إرادتُه ومشيئتُه قديمةٌ فهو يَعلم ما في المصنوعات من الحكمة فيريد ما علمه وليس هذا الاقتضاء والإيجاب من جنس إيجاب العلل الحادثة معلولاً بها وإنما هو كما يقال الذاتُ مقتضيةٌ للصفات من العلم والقدرة والصفات مقتضيةٌ للأحكام والأحوال من كونه عالمًا قادرًا أو العلم والقدرة مشروطة بالحياة والشرط قبل المشروط فإن ذلك كلَّه على نحو آخر معاني على عقول البشر والله أكبر كبيرًا لكن لابدَّ من تقريبٍ إلى العقول يحتاج إلى التوسع في التعبير لإزاحةِ ما يُتَوهَّم من الشبهات
والتحقيق على هذا أن يقال حَرَّم الخمر لعلمه بأنها مُسكِرة وأمرَ بالمعروف لأنه مصلحة فإذا قيل حرّم الخمر لأنها مسكرة فذاك لأنه قد عُلِمَ أنّ الله عليمٌ بكلّ شيء وقد عُلِمَ إذا قيل فلانٌ أمرَ بكذا لأنه مصلحة له أو للناس أنَّما فعلَه لعلمه بصلاحه امتنع أن يأمر به كذلك
وسبب ذلك أن العلم في الحقيقة تابعٌ للمعلوم لا يُكسِبُه صفةً ولا يكتسب عنه صفة وإنما نشأت الحكمة من نفس المعلوم فلما كان كونُه مصلحةً والعلمُ بأنه مصلحةٌ أمرانِ متلازمانِ مطلوبيَّةُ أحدهما باعتبار الآخر لم يقدح إضافته إلى الآخر وإذا قيل حُرِّمت الخمر لأنها مسكرة فهذا تعليلٌ للحكم الحادث وهو الحرمة القائمة بها