فَيُقَال لَهُم لم زعمتم أَولا أَنكُمْ إِذا لم تَجدوا الْأَشْيَاء فِي الشَّاهِد إِلَّا على مَا وصفتم وَجب الْقَضَاء على الْغَائِب بِمُجَرَّد الشَّاهِد وَأَن الْمَوْجُود فِي الْغَائِب لَا يَنْفَكّ من أَصْنَاف الموجودات فِي الشَّاهِد وَمَا حجتكم على ذَلِك فَإِن الْخلاف فِي جِهَة استدلالكم أعظم والغلط وَالْخَطَأ فِيهِ أفحش
ثمَّ يُقَال لَهُم فَأنْتم أَيْضا لم تَجدوا حَادِثا إِلَّا وَقَبله حَادث وَلَا شَيْئا إِلَّا عَن شَيْء وَلَا جسما إِلَّا وَبعده جسم وفوقه جسم وَتَحْته جسم وَمن عَن يَمِينه وشماله وتجاهه وَخَلفه جسم وَلَا وجدْتُم فَاعِلا اخترع الْأَجْسَام وأحدث الْأَفْعَال بِغَيْر أدوات وآلات وجوارح وعلاج فاقضوا بذلك على قدم الْعَالم وَنفي النِّهَايَة عَنهُ وَأَن الْحَوَادِث لَا أول لَهَا وَأَن الْأَجْسَام لَا كل لَهَا وَلَا غَايَة وَألا إِنْسَان إِلَّا من نُطْفَة إِلَّا من إِنْسَان وَلَا طَائِر إِلَّا من بَيْضَة وَلَا بَيْضَة إِلَّا من طَائِر أبدا إِلَى غير نِهَايَة وَهَذَا لُحُوق بِأَهْل الدَّهْر
وَكَذَلِكَ فاقضوا على أَنه لَا فَاعل لأجسام الْعَالم وَأَن الْفَاعِل لأغراضه يَفْعَلهَا بآلات وأدوات وأوجبوا على من نَشأ فِي بلد الزنج فَلم يجد بهَا مَاء إِلَّا عذبا وَلَا إنْسَانا إِلَّا أسود وَلَا زرعا إِلَّا أَخْضَر أَن يقْضِي على أَنه لَا مَاء إِلَّا عذب وَلَا إِنْسَان إِلَّا كَمَا وجد وَشَاهد حَتَّى يوجبوا الْقَضَاء بِالْجَهْلِ الَّذِي يعلم بُطْلَانه اضطرارا فَإِن مروا على ذَلِك أجمع لَحِقُوا بِأَهْل الدَّهْر والجهالات وَإِن امْتَنعُوا مِنْهُ نقضوا استدلالهم