هَذِه صفته خطور الْأَمر بِبَالِهِ كَالَّذي لم يكن عَالما بِهِ وَلَا أَن تبعثه الدَّوَاعِي والبواعث على أَفعاله وَذَلِكَ إِنَّا إِذا قُلْنَا لفاعلنا مَا الَّذِي دعَاك إِلَى الْفِعْل وحركك على إِيقَاعه وَمَا الْغَرَض فِي دون غَيره وَفِي فعله دون تَركه والانصراف عَنهُ فَإِنَّمَا نأله ليخبرنا أقصد بذلك اجتلاب مَنْفَعَة أَو دفع مضرَّة أم لَا فَإِن قَالَ فعله لَا لاجتلاب مَنْفَعَة وَلَا لدفع مضرَّة مَعَ علمه بِوُقُوعِهِ وَجب الْقَضَاء على تسفيهه لِأَنَّهُ مِمَّن يحْتَاج إِلَى جر الْمَنَافِع وَدفع المضار وَهُوَ مَأْمُور بذلك وإيقاعه الْفِعْل عَارِيا من الْقَصْد إِلَى ذَلِك والتصدي لَهُ سفه وَخلاف لما وَجب عَلَيْهِ وَالْقَدِيم تَعَالَى لَيْسَ بِذِي حَاجَة وَلَا مِمَّن يلْزمه الانقياد وَالطَّاعَة فَلم يجز أَن يُقَاس على فاعلنا
مَسْأَلَة فِي أَن الْقَدِيم لم يفعل الْعَالم لعِلَّة
فَإِن قَالَ قَائِل فَهَل تَقولُونَ إِن الْقَدِيم فعل الْعَالم لعِلَّة أوجبت حُدُوثه مِنْهُ قيل لَهُ لَا لِأَن الْعِلَل لَا تجوز عَلَيْهِ لِأَنَّهَا مَقْصُورَة على جر الْمَنَافِع وَدفع المضار وَيدل على ذَلِك أَيْضا أَنه لَو كَانَ تَعَالَى فَاعِلا للْعَالم لعِلَّة أوجبته لم تخل تِلْكَ الْعلَّة من أَن تكون قديمَة أَو محدثة فَإِن كَانَت قديمَة وَجب قدم الْعَالم لقدم علته وَألا يكون بَين الْعلَّة الْقَدِيمَة وَبَين وجود الْعَالم إِلَّا مِقْدَار زمَان الإيجاد وَذَلِكَ يُوجب حُدُوث الْقَدِيم لِأَن مَا لم يكن قبل الْمُحدث إِلَّا بِزَمَان أَو أزمنه محدودة وَجب حُدُوثه لِأَن فَائِدَة تَوْقِيت وجود الشَّيْء هُوَ أَنه كَانَ مَعْدُوما قبل تِلْكَ الْحَال فَلَمَّا لم يجز حُدُوث الْقَدِيم لم يجز أَن يكون الْعَالم مُحدثا لعِلَّة قديمَة وَإِن كَانَت تِلْكَ الْعلَّة محدثة فَلَا يَخْلُو