اعلم – رحمك الله تعالى – أن المراد بالأمين هنا هو من كان المال بيده برضى ربه أو ولايته عليه، فإذا قبض الأمين المال من صاحبه ثم تلف المال فلا يخلو من حالتين: إما أن يكون سبب التلف هو تعدي الأمين أو تفريطه في حفظ المال وإما أن يكون بسببٍ خارج عن ذلك أي ليس للأمين فيه دخل، فإن كان الأول إي إذا كان سبب التلف هو تعدي الأمين أو تفريطه فإنه يكون ضامنًا لما تلف في يده من مالٍ أو عين؛ لأنه تعدى وفرط فيخرج عن حد الإحسان المنافي للضمان، في قوله تعالى: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} وقولنا: (التعدي) هو فعل ما لا يجوز من التصرفات أو الاستعمالات، وقولنا: (التفريط) هو ترك ما يجب من الحفظ، وأما إذا تلفت العين بلا تعدٍ من الأمين ولا تفريط فإنه لا يضمن هذا التلف لأنه محسن ولم يذنب {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} ؛ ولأن هذا هو معنى الائتمان فالتلف في أيديهم كالتلف في يد المالك.
وعلى ذلك فروع كثيرة نذكر بعضها يستدل به على الباقي:
فمنها: إذا تلفت الوديعة في يد المودَع – بفتح الدال – فهل يضمن أم لا؟
نقول: إن المودَع أمين فإن تلفت الوديعة بتعدٍ أو تفريط منه فإنه يضمن، وإن تلفت بلا تعدٍ أو تفريط فلا يضمن.
ومنها: إذا تلفت العين أو المال في يد الوكيل فإن كان بتعدٍ أو تفريط فإنه يضمن وإن كان بدون تعدٍ أو تفريط فإنه لا يضمن.
ومنها: الأجير الخاص هو من منافعه محبوسة لمستأجره فإذا تلفت العين بيده فإنه لا يضمن إلا بتعدٍ أو تفريط.
ومنها: إذا تلف الرهن في يد المرتهن بلا تعدٍ أو تفريط فإنه لا يضمن وإن كان بتعدٍ أو تفريط ضمن.
ومنها: إذا تلف المال في يد الشريك أيًا كان نوع الشركة فإنه لا يضمن إلا إذا تعدى أو فرط؛ لأنه أمين.
ومنها: اللقطة إذا تلفت في يد الملتقط أي الذي أخذها فإنه لا يضمن إلا تعدى أو فرط؛ لأنه أمين.