الثالث: (الإرادة) : أي أن يفعل الإنسان المنهي عنه وهو مريد لفعله مختار له أما إذا فعله مكرهًا عليه أيًا كان هذا الإكراه ملجئاً أو غير ملجئ فإنه لا يترتب عليه أثر فعل المنهي عنه، والذي يدل على ذلك قوله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إيمَانِهِ إلا مَنْ أكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} فأجاز الله جل وعلا النطق أو فعل الكفر حالة الإكراه عليه مع شرط اطمئنان القلب بالإيمان. وقيس على ذلك باقي المنهيات من باب أولى؛ لأن أعظم الذنوب هي الشرك والكفر.
ومن ذلك: قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث السابق: (وما استكرهوا عليه) وهو عام في أي إكراه، إذًا وبعد هذا عرفنا أن الإنسان إذا فعل المحرم بعلمٍ وذكرٍ وإرادةٍ أنه يأثم ويترتب عليه أثر المنهي عنه. أما إذا اختل شرط منها فإنه لا يأثم، ولا يترتب عليه أثر المنهي عنه.
وبالفروع تتضح القاعدة أكثر فأقول:
منها: محظورات الصوم التي من فعل المكلف من أكل أو شرب وحجامةٍ وقيءٍ يشترط حتى تكون مفسدة للصوم أن يفعلها الإنسان وهو عالم بحكمها وذاكر لها ومريد لفعلها حتى الجماع ولا يشذ عن ذلك شيء، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من أكل أو شرب ناسيًا فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه) أما إذا فعلها وهو جاهل بحكمها أو ناسٍ لها أو مكرهٌ عليها فإنه لا يؤثر ذلك في صحة صومه، والله أعلم.
ومنها: محظورات الصلاة كالكلام والأكل والشرب والنجاسة ونحوها إذا فعلها الإنسان فإنه لا يؤاخذ بها إلا إذا توفرت فيه هذه الشروط الثلاثة. أما إذا اختل شرط منها فإن صلاته صحيحة ولا إعادة عليه، والله أعلم.