الرابع: القدر: فإذا حددت الشريعة لهذه العبادة قدرًا معينًا فإنه لا يجوز لأحد أن يزيد عليه أو ينقص منه ولا تصح بهذه الزيادة أو النقصان إلا بدليل يصححها وإلا فلا، ومن ذلك أعداد ركعات الصلوات ورمي الجمار وعدد الطواف والسعي ومقادير الزكاة والكفارات والحدود ونحوها فهذه قدرت بمقادير فيجب على المسلم متابعة النبي - صلى الله عليه وسلم - في قدرها، فإذا كمل المؤمن هذه المراتب فقد كمل مراتب المتابعة للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وإذا تخلف منها شيء فإن يتخلف من المتابعة بقدرها، ثم يجب علينا أن ننبه لأمر وهو أن العبادة قد تكون مشروعة بأصلها ممنوعة بوصفها، وهذا يقع فيه الناس كثيرًا، وبيان ذلك أن يقال: إن بعض الناس يفعلون عبادات قد حددوها بزمانٍ أو مكانٍ معين يعتقد فيه الفضيلة، فإذا أنكرت عليهم احتجوا عليك بالأدلة التي تدل على شرعية هذه العبادة ولكنهم لا يأتون بدليل يدل على فعلها في هذا الوقت أو المكان بعينه، وهذا لا يكفي إذ أدلة إثبات العبادة شيء وتخصيص فعلها في زمانٍ أو مكانٍ يعتقد أن فعلها فيه أفضل شيء آخر، فلا يخلط بين هذا وهذا، ولذلك فلنعلم أن من اعتقد في عبادةٍ مَّا أن فعلها في وقتٍ أو مكانٍ مَّا أفضل من فعلها في بقية الأزمنة والأمكنة فهو مبتدع وما فعله بدعة لأن مجرد هذا التخصيص الزمني والمكاني يحتاج إلى دليلٍ زائد ولا يكفي فيه مجرد الأدلة التي تدل على مشروعية هذه العبادة مطلقاً، ومثال ذلك الذكر، فإن الأصل أنه جائز في كل زمانٍ ومكان إلا ما ورد الدليل بالمنع منه فيه كالخلاء ونحوه، لكن من خصص الذكر بزمانٍ معين أو مكانٍ معين أو على صفة معينة فإن هذا التخصيص يحتاج إلى دليل زائد على مجرد أدلة مشروعية الذكر، والغريب أننا إذا أنكرنا عليهم هذا التخصيص احتجوا علينا بقوله تعالى: {اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} ، وقوله: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا