ثم اعلم أن الرياء إذا دخل في العمل فلا يخلو من حالتين: إما أن يكون من أوله وإما أن يكون طارئاً عليه، فإن كان من أوله فإن العبادة باطلة كلها، وإن كان الرياء طارئاً على العمل فلا يخلو إما أن لا يسترسل معه ويدفعه عن نفسه بما يستطيع وإما أن يسترسل معه ويرضى به ولا يدفعه عن نفسه، فإن كان الأول فلا يضره أبدًا بل يؤجر على هذه المدافعة، وإن كان الثاني فلا يخلو إما أن يكون هذا العمل مما ينبني صحة أوله على صحة آخره كالصلاة، وإما أن لا ينبني ذلك، فإن كان الأول فإن العمل يبطل كله، وإن كان الثاني فإنه لا يبطل إلا العمل الذي خالطه الرياء كالصدقة وقراءة القرآن وأيام الصوم ونحو ذلك، وهذا يدل على خطر الرياء ووجوب الإخلاص، وفروعها كثيرة جداً وفيما مضى كفاية - إن شاء الله تعالى -.
فهذا هو الشرط الأول وهو الإخلاص.
أما الشرط الثاني: فهو المتابعة وهو أن تفعل العبادة ذات الكيفية على الكيفية التي فعلها بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلا زيادة ولا نقصان، فنصلي كما صلى، ونصوم كما صام، ونحج كما حج وهكذا، وقد دل على اشتراط هذا الشرط أدلة كثيرة فكل آية فيها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قدوة لنا وأسوة فهي دليل على وجوب متابعته في ذلك، وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) والمراد بأمرنا ديننا وشريعتنا، ومعنى (فهو رد) أي مردود على صاحبه بمعنى أنه ليس بصحيح ولا يقبل، وفي رواية مسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردٌ) ومن متابعته - صلى الله عليه وسلم - أن يحرص المسلم على أمور وهذا في العبادات قولية كانت أو فعلية: