وهذه من أنفع القواعد على الإطلاق للقضاة وغيرهم فإنها أصل يسير سهل، لكنه يحل مشاكل كثيرة لا حصر لها ولا عد وبيانه أن يقال: قوله (البينة) أي الحجة والبرهان وهي كل شيءٍ يثبت به الحق ويبين صدق الدعوى، أيًا كانت هذه البينة، فالعبرة هي ظهور الحق فبأي شيء ظهر الحق فالذي أظهره هو البينة، إلا أن الفقهاء من الأصحاب خصوها ببعض أفرادها، ثم اعلم أن البينة لها صور كثيرة:
منها: الشهادة سواءً الشهادة على الأموال أو الأنساب أو الحدود ونحوها.
ومنها: اليمين سواءً مفردة أو مع شاهد، هي من البينة.
ومنها: الإقرار كإقرار السارق والزاني ونحوها.
ومنها: وجود المسروق عند السارق.
ومنها: ظهور حبل من رميت بالزنا ولا زوج لها ولم تدع شبهة، وغير ذلك كثير فكل ذلك يقال له بينة لأن الحق يظهر به، والله أعلم.
قوله: (المدعي) هو صاحب الدعوى، وقيل هو من يبدأ أولاً، وقيل هو من إذا ترك سكت وقيل هو من يعمر الذمة بشيء، وكل ذلك صحيح يدل على شيءٍ واحد وإن اختلفت ألفاظها ويجمعها أن يقال: المدعي هو من يحاول إثبات حقً له في ذمة غيره، فكل من حاول أن يعمر ذمة غيره بحق له فهو المدعي.
وقلنا: (إثبات حق له) حتى يخرج الشاهد والمقر على نفسه بشيء، فإن الشاهد يحاول أن يثبت حقًا لغيره على غيره، والمقر يحاول أن يثبت حقًا على نفسه لا لنفسه، قوله: (واليمين) أي الحلف وهي تأكيد أمرٍ بذكر اسم من أسماء الله أو صفة من صفاته، وستأتي قواعدها – إن شاء الله تعالى -.