ومن الأدلة أيضًا: ما رواه الإمام البيهقي في سننه بسنده عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: (ضالة الإبل المكتومة غرامتها ومثلها معها) قال أبو بكر في التنبيه: وهذا حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا يرد، وقد نص عليه الإمام أحمد. ا. هـ
والشاهد أن من كتم الضالة فإنه كالسارق لها وعقوبته القطع لكن تخلفت عنه العقوبة - التي هي القطع - لفوات شرطٍ من شروطها وهي الأخذ من الحرز. فهو أخذ الضالة من غير حرزها ولذلك سقط عنه القطع فلما سقط عنه القطع ضوعف عليه الغرم في قوله: (غرامتها ومثلها معها) أي أنه يضمن قيمتها مرتين عقوبة له، فدل ذلك على أن من سقطت عنه العقوبة لموجبٍ تضاعف عليه الغرم.
ومن الأدلة أيضًا: حديث غلمان حاطب، وذلك أن غلمة لحاطب بن أبي بلتعة - رضي الله عنه - سرقوا ناقة لرجلٍ من مزينة فأتى بهم عمر فأقروا فأرسل إلى عبد الرحمن بن حاطب فجاء فقال له: (إن غلمان حاطبٍ سرقوا ناقة رجلٍ من مزينة وأقروا على أنفسهم) . فقال عمر: (يا كثير بن الصلت اذهب فاقطع أيديهم) ، فلما ولى بهم ردهم عمر ثم قال: (أما والله لولا أني أعلم أنكم تستعملونهم وتجيعونهم حتى إن أحدهم لو أكل ما حرم الله عليه حل له لقطعت أيديهم وأيم الله إذ لم أفعل لأغرمنك غرامة توجعك) ، ثم قال: (يا مزني بكم أريدت منك ناقتك) ؟ قال: بأربع مائة. قال عمر: (اذهب فأعطه ثماني مائة) وهذا الأثر رجاله ثقات غير عارم فإنه قد اختلط لكن قال الدارقطني: ما ظهر له بعد اختلاطه حديث منكر وهو ثقة. ا. هـ فالأثر صحيح، ووجه الدلالة منه واضحة وهي أن أمير المؤمنين عمر - رضي الله عنه - أسقط عنهم القطع لحاجتهم إلى الطعام الذي سرقوه ولا قطع في مجاعة فلما أسقط عنهم القطع ضاعف عليهم الغرم، فالناقة ثمنها أربع مائة فغرمهم ضعفها مما يدل على أن من سقطت عنه العقوبة لموجبٍ ضوعف عليه الغرم.