ونتصرف في حقه على ما تقتضيه المصلحة، هذا هو القول الراجح، ويدل عليه عدة أدلة:
منها: قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث زيد بن خالد الجهني - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأله عن اللقطة، فقال: (اعرف عفاصها ووكائها ثم عرفها سنة فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها) متفق عليه، فأنزل صاحبها بعد تعريف اللقطة سنة منزلة المعدوم وأجاز لواجدها التصرف فيها، لكن إن تصرف فيها لنفسه فإنها تكون بمنزلة الدين في ذمته متى ما جاء ربها فإنه يؤديها إليه وفي بعض روايات الحديث الصحيحة: (فإن جاء ربها فأدها إليه) ، وعن جابر قال: (رخص لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في العصا والسوط والحبل وأشباهه يلتقطه الرجل ينتفع به) رواه أحمد وأبو داود، أي لا يلزم تعريفه؛ لأنه لا تتبعه همة أواسط الناس لكننا نعلم أن له مالكًا لكننا لا نعرفه ولم نؤمر بالتعرف عليه في هذه الأمور البسيطة فنزل منزلة المعدوم فيأخذها الإنسان وينتفع بها.
ومن ذلك: حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (وفي الركاز الخمس) ويوضح ذلك حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلاً وجد مالاً في قرية فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إن وجدته في قريةٍ مسكونةٍ فعرفه وإن وجدته في قريةٍ غير مسكونة ففيه وفي الركاز الخمس) ، ونحن نعلم يقينًا أن هذا المال المدفون له أصحاب سواء كانوا موجودين أو معدومين أو قد يكون لهم ورثة، لكن لما كان من دفن الجاهلية لم توجب الشريعة تعريفه، بل يملكه من أخذه بمجرد أخذه، وفيه الخمس، ذلك لأن أصحابه مجهولون فأنزلناهم منزلة المعدومين؛ لأنه يتعذر علينا البحث عنهم لتقادم عهد الجاهلية.