ومن هذه الأدلة: تعلم أن القرعة أصل من الأصول في استخراج المستحق وتمييزه عن غيره، وروى أبو داود من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: (أن رجلين تداعيا عينًا لم يكن لواحدٍ منهما بينة فأمرهما النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يستهما على اليمين أحبا أم كرها) ، وروى البخاري من حديث أبي هريرة أيضًا: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عرض على قومٍ اليمين فسارعوا إليه فأمر أن يسهم بينهم في اليمين أيهم يحلف) ، وفي سنن أبي داود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا أكره اثنان على اليمين أو استحباها فليستهما عليها) ، وقد صنف الإمام أبو بكر الخلال مصنفًا في القرعة وهو في جامعه، ومن النظر أيضًا أن الحقوق إذا تساوت فلا من مرجح بينهما وهذا المرجح هو القرعة، وإذا أردت أن تعرف أهمية الحكم بالقرعة فانظر إلى تأثيرها فيما أذكره من الفروع - إن شاء الله تعالى - فترى الحكم يثبت لأحد الاثنين بمجرد القرعة، فإليك بعض الفروع:
فمنها: إذا تشاحوا في الأذان مع تساويهم في الصفات المعتبرة شرعًا فإنه يقرع بينهم نص عليه الإمام أحمد في رواية أبي داود وأبي طالب ومحمد ابن موسى واحتج بأن سعدًا أقرع في الأذان يوم القادسية.
ومنها: إذا استوى اثنان في الصفات المرجح بها في الإمامة أقرع بينهم فمن خرجت له القرعة فهو أحق به، كما في الأذان.
ومنها: إذا استوى جماعة في صفات الإمام الأعظم فإنه يقرع بينهم قياسًا على الأذان.
ومنها: إذا اجتمع ميتان فبذل لهما كفنان وكان أحد الكفنين أجود من الآخر ولم يعين الباذل ما لكل واحدٍ منهما فإنه يقرع بينهما كما وردت السنة بذلك كما في حديث الزبير عن صفية وتقدم.