فأما الكتاب: فقوله تعالى: {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ} أي نبيه وعبده يونس عليه السلام لما ركب السفينة مغاضبًا هاجت الأمواج وتلاطمت وأشرفت السفينة على الغرق لثقل حملها، فقالوا لابد أن يضحي أحدنا من أجل نجاتنا فاقترعوا فخرجت القرعة على نبي الله يونس، ثم استعظموا الأمر فاقترعوا ثانية وثالثة كلها تخرج عليه فألقى نفسه في اليم فإذا الحوت قد فَغَرَ فاه مستقبلاً له فالتقمه، ولم ينكر الله جل وعلا هذا الاقتراع ولو كان منكرًا لما أقره، وكذلك قوله تعالى عن اختصام ملأ بني إسرائيل من يكفل مريم، فاتفقوا على أن يأتوا إلى البحر ويلقون أقلامهم فأيهم خرج قلمه فهو يكفلها، فخرج قلم زكريا فكفلها، فقال تعالى: {وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إذْ يُلْقُونَ أقْلامَهُمْ أيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إذْ يَخْتَصِمُونَ} وهاتان الآيتان وإن كانتا في شرع من قبلنا لكن ورد شرعنا بتقريرها وجوازها، واتفق العلماء أن شرع من قبلنا شرع لنا إذا ورد شرعنا بالأمر به، وإن لم يرد بجوازه فهل هو شرع لنا أو لا؟