وأما الأصل الثاني: فهو في العادات فالباب فيها مفتوح - ولله الحمد - وهو خاضع لأعراف الناس، فكل عادة انتشرت بين الناس وتعارفوا عليها من فعلٍ أو قولٍ أو أكل أو شرب أو غيرها من الملبوسات والمفروشات ونحوها، فالأصل فيها الحل والإباحة لكن هذه الإباحة مقيدة بما إذا لم تخالف هذه العادة دليلاً شرعيًا فإن خالفت الدليل فهي عادة محرمة يجب إنكارها، أما إذا لم تخالف دليلاً فالأصل التوسعة على الناس، فلا يجوز لأحدٍ كائنٍ من كان أن يضيق على الناس فيما اعتادوه وتعارفوا عليه إلا بدليل، وأنت ترى اختلاف الناس من قطرٍ إلى قطرٍ، بل إن من قواعد الشريعة أن العادة محكمة، أي تؤخذ الأحكام الشرعية بناءً على العادات المتقررة عندهم، كما مضى في بعض القواعد طرف من ذلك فلا يجوز لأحدٍ أن ينكر على أحدٍ ما اعتاده إلا إذا خالف الدليل الشرعي، فهذان الأصلان العظيمان يدخلان في جميع جوانب حياة الإنسان؛ لأنه متقلب في عادة أو في عبادة، فالعبادات بابها توقيفي إلا بدليل والعادات بابها مفتوح إلا بدليل ولله الحمد والمنة، وإليك بعض الفروع على هذين الأصلين ليتضح لك مدى تأثيرهما في المسائل الفقهية:

فمنها: الأذكار الجماعية بمختلف أنواعها كلها من البدع باعتبار صفاتها، بل وأحيانًا باعتبار ألفاظها أيضًا؛ لأنهم يعتقدون أنها عبادة لكن ليس عليها دليل، والأصل في العبادات التوقيف إلا بدليل.

ومنها: الطواف حول القبور، بل وجميع ما يفعله عباد القبور عندها من إسراجها، والبناء عليها، والنذر لها، والسجود عليها، والأخذ من ترابها والتبرك بها، والذبح عندها وغير ذلك، كل ذلك من البدع المفضية إلى تعظيمها ثم إلى اتخاذها أوثانًا تعبد من دون الله، وفاعلوها يعتقدون أنها عبادات ولم يأتوا عليها بدليل شرعي، فهي إذًا بدع وبعضها شرك أكبر؛ لأن العبادات توقيفية على الدليل الصحيح.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015