فأما الأصل الأول: فهو خاص بباب العبادات، وذلك لأنه من المتقرر عند أهل السنة والجماعة أن العقول لا تستقل بإدراك المشروع على وجه التفصيل ولذلك احتاجت البشرية إلى إرسال الرسل وإنزال الكتب، حتى يعرفوا الناس بشرائعهم العقدية والعملية على وجه التفصيل فبعث الله الرسل وأنزل الكتب، فأولهم نوح – عليه الصلاة والسلام – وآخرهم محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي ختم الله به الرسالة وأكمل به النعمة وأبان به المحجة الواضحة، ولولا الله ثم الرسل لما عرفت البشرية ما يجوز التعبد به لله وما لا يجوز على التفصيل أبدًا، ولتخبطت في ظلمات الجهل والضلالة ولذلك امتن الله على البشرية بأنه بعث فيهم رسولاً من أنفسهم، إذا علم هذا فليعلم أن الشريعة لا تتلقى إلا من قبل هذا الرسول، فلا يجوز التعبد لله إلا بما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - فلا يجوز لأحدٍ أن يخترع من عند نفسه قولاً أو فعلاً ويقول هذا عبادة، فالعبادة معناها على الدليل الشرعي ولا تدخل للعقل في تأسيسها أبدًا فالحلال ما أحله الله ورسوله، والحرام ما حرمه الله ورسوله، والدين ما شرعه الله ورسوله، فمن ادعى أن في فعل أو قولٍ أنه عبادة طالبناه بالدليل المثبت لها، فلا تتلقى العبادات إلا من قبل الشارع فقط، وبذلك تعلم حقيقة العبادة وحقيقة البدعة، فالبدعة هي اختراع شيء يعتقد أنه يقرب إلى الله تعالى ولا دليل عليه (?) ، وبه تعلم أن باب العبادات باب ضيق موقوف على ثبوت الدليل فقط لا على الأهواء والعقول، ولا على الأذواق ولا على التقليد المقيت، أو الاستحسان القبيح، ولا على التحسين والتقبيح وإنما مبناها على الدليل الشرعي الصحيح، وأهل السنة بتقرير ذلك فإنهم يقفلون باب البدعة ويسدونه سدًا محكماً، فما ظهرت البدع إلا بالغفلة عن هذا الأصل العظيم، ولابد أن