ومنها: في الصحيحين من حديث أنس في قصة الأعرابي الذي دخل المسجد وبال فيه، فقام الصحابة ليضربوه فنهاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وتركه يكمل بوله، ففي الحديث مفسدتان ومصلحتان: فالمفسدة الأولى: مفسدة تلويث المسجد بهذا الأذى والقذر. والثانية: مفسدة تنفيره عن الإسلام وإيغار صدره على من اعتدى عليه وتلويث مواضع من المسجد، ولاشك أن المفسدة الثانية أشد من المفسدة الأولى فروعيت المفسدة الكبرى بارتكاب الصغرى، فقال: (دعوه) أي لا بأس أن يرتكب هذه المفسدة، ولا تضربوه حتى لا يقع في المفسدة الكبرى. وأما المصلحتان: فالأولى: مصلحة صيانة المساجد من البول والأذى، وهي الصغرى، ومصلحة تأليفه على الإسلام، بل ومصلحة المحافظة على نفسه من تأذيه باحتباس البول، بل ومصلحة عدم انتشار البول في أكثر من بقعة في المسجد بسبب هروبه منهم، فهذه المصالح روعيت جميعها بتفويت المصلحة الصغرى التي هي صيانة المسجد من الأذى والقذر في هذه البقعة فقط؛ لأنه إذا تعارضت مصلحتان روعي أكبرهما بتفويت أصغرهما. والله أعلم.
ومنها: أن الأصل في الغيبة هي التحريم ولاشك، والأدلة على تحريمها من الكتاب والسنة معروفة مشهورة، لكن دل الدليل على جواز ذكرك أخاك بما يكره في أمور ستة معروفة.
ومنها: أنه إن سألك أحد عن شخص ليعرف حاله لتزويجه فإنه يجب عليك أن تبين له جميع ما تعرف عنه من أمور الشر (?) استدلالاً بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (أما معاوية فصعلوك لا مال له، وأما أبو جهم فلا يضع العصا عن عاتقه) وهذا من باب الغيبة لانطباق تعريف الغيبة عليها، لكن جاز ذلك مع أن فيه مفسدة درءاً للمفسدة الأشد وهي تورط الناس بمن لا يصلح لهم خلقًا ودينًا، فروعيت هذه المفسدة بارتكاب أدنى المفسدتين.