ومنها: تحريم الهدايا للعمال، كالحكام أو القضاة وكذلك أصحاب الديون، فهو لا يجوز لهم قبول الهدية؛ لأن النفوس مجبولة على حب من أحسن إليها، فقد تؤدي إلى عدم الحكم بالحق وإلى المماطلة في سداد الدين، فهي تؤدي إلى إبطال الحق، فهي بهذا الاعتبار حيلة محرمة وفي الحديث: (هدايا العمال غلول) ، وروى ابن ماجة في سننه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا أقرض أحدكم قرضًا فأهدى إليه أو حمله على الدابة فلا يركبها ولا يقبله إلا أن يكون جرى بينه وبينه قبل ذلك) وفي صحيح البخاري عن أبي بردة بن أبي موسى قال: (قدمت المدينة فلقيت عبد الله بن سلام فقال لي: إنك بأرضٍ الربا فيها فاشٍ فإذا كان لك على رجلٍ حق فأهدى إليك حمل تبنٍ أو حمل شعير أو جمل قَتٍّ فلا تأخذه فإنه ربًا) ، وفي سنن سعيد هذا المعنى عن أبي بن كعبٍ، وجاء عن ابن مسعود أيضًا نحو هذا المعنى، وأتى رجل عبد الله بن عمر فقال: (إني أقرضت رجلاً بغير معرفة فأهدى إليَّ هدية جزلة) . فقال: (رُدَّ عليه هديته) فنهى النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه عن قبول هدية المقترض قبل الوفاء لما في ذلك من إبطال الحق، ولا يعرف ذلك حقًا إلا من كان صاحب ولاية ثم أهدي إليه فجاء صاحب الهدية بما يوجب عقابه فإن صاحب الولاية قد مُلِكَ قلبه بهذه الهدية بحيث لا يصدق في حكمه عليه أو يحاول البحث عن الأعذار له بأي طريق، فسدت الشريعة هذا الباب سدًا منيعًا بتحريم الإهداء لأصحاب الولايات وأصحاب الديون قبل وفائها، والله أعلم.

ومنها: حديث ابن عمر - رضي الله عنه - في تحريم بيع العينة، فإن العينة مبادلة مالٍ بمالٍ بينهما سلعة، فالسلعة إنما جعلت بين المالين الربويين من باب الحيلة فقط، فلم تنفع صاحبها في إحلال الحرام، فهي ربًا وإن وقعت على أي صورة، وهو قول أكثر العلماء واختيار الشيخ تقي الدين ابن تيمية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015