القاعدة السابعة والثلاثون
اعلم أن هذه الشريعة لا تأمر إلا بما فيه مصلحة خالصة أو راجحة، ولا تنهى عن شيء إلا وفيه مفسدة خالصة أو راجحة، فهي إذا حرمت قولاً أو فعلاً أو عينًا من الأعيان فإنها لم تحرمه إلا وفيه مفسدة، وإذا أباحت شيئًا فإنها لم تبحه إلا لخلوه من هذه المفسدة. فأبدًا لا يجتمع حل شيء ووصفه بالمفسدة، وهذه القاعدة تقرر أن كل ما دل الدليل الشرعي على جوازه قولاً أو فعلاً فإنه جل وعلا يرفع ضرره قدرًا - أي كونًا - فلا يكون فيه ضرر أبدًا حتى وإن كان سبق له تحريم فإنه في حالة تحريمه يوصف بالضرر فإذا نسخ التحريم وثبت الجواز فإن هذا الضرر يرتفع عن هذا الفعل - بإذن الله تعالى -، فالخلق خلقه والأمر أمره (فتبارك الله رب العالمين) فلا يمكن أن يجتمع الجواز الشرعي والضرر الكوني، بل نحن نعرف أن بجواز الشيء انتفاء ضرره، وبثبوت ضرره انتفاء جوازه، فهما ضدان لا يجتمعان أبدًا في فعل من الأفعال، فيجب على المسلم أن يعتقد اعتقادًا جازمًا لا ريب فيه ويؤمن إيمانًا تامًا لا ريب معه أنه لا يمكن أن تأمر أو تبيح الشريعة ما فيه مفسدة خالصة أو راجحة، كما أنها لا يمكن أن تحرم ما فيه مصلحة خالصة أو راجحة. فكل ما كان حرامًا ثم أحل فلزوال المفسدة منه، وكل ما كان حلالاً ثم حرم فلوصف الخبث فيه بعد تحريمه.
وإليك بعض الفروع على هذه القاعدة حتى تتضح أكثر فأقول: