، ولقد رأيت وسمعت عن بعض الأئمة الحنابلة ذهبوا إلى بلادٍ يعتقد أهلها سنة القنوت في الفجر، ووجوب الجهر بالبسملة فلما لم يفعلوا ذلك حصل نزاع في المسجد كبير جدًا كاد يؤدي إلى الضرب بالأيدي لولا تدخل بعض الأجهزة الأمنية، فالفقه مطلوب وترك الفاضل وفعل المفضول لتعلق المصلحة به هو عين الحكمة فنسأل الله أن يلهمنا رشدنا.
ومنها: ترك السلام على أهل البدع المجاهرين بها بعد النصيحة الواجبة وعدم إجابة دعوتهم إن كان فيه زجر لهم عن بدعتهم فإنه يكون فاضلاً وذلك لتعلق المصلحة الشرعية به.
ومنها: أن الأفضل إيقاع الصلاة في أول الوقت وتأخيرها إلى آخر وقتها مفضول لكن إذا اقترن به مصلحة راجحة صار فاضلاً كأن يؤخرها لأنه سيصليها بالماء أو بساتر للعورة أو لشدة حر في الظهر أو أن يتعلم الفاتحة والتشهد في آخر الوقت وهكذا فيكون الفعل المفضول فاضلاً بسبب اقتران المصلحة.
ومنها: التعزير بالضرب أو الحبس أو مصادرة المال الأصل أن هذه الأفعال لا تجوز لكن لما اقترن بها إظهار الحق وقمع المجرمين وردعهم عن إجرامهم وباطلهم وكف شرهم وعدوانهم صارت فاضلة وجاء بها الشرع وذلك لتعلق المصلحة الشرعية بها، وكل فعلٍ تعلقت به المصلحة الشرعية فهو الفاضل.
ومنها: الحدود من قطع يد السارق ورجم الزاني المحصن وجلد غير المحصن والقصاص في النفس والأطراف الأصل أنها لا تجوز، لكن لما اقترن به إقامة العدل وقطع دابر الشر والفساد والعدوان وحفظ النسل وغيرها من المصالح صارت فاضلة بشروطها وجاء بها الشرع، مع أنها هي في حد ذاتها مفسدة لكن لما يترتب عليها من المصالح في الدنيا والآخرة صار عين المصلحة هو إقامتها، وقال تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} .وفي الحديث: (لحد يعمل به في الأرض خير من أن يمطروا أربعين صباحاً) .