ومن الأدلة أيضًا: النهي عن الصلاة في أوقات النهي أعني التطوع الذي لا سبب له، فإن الصلاة أعني التطوع فيها أجر عظيم وثواب جزيل قد أثبتته الأدلة فهي من الأمور الفاضلة لكن نهى عنها النبي - صلى الله عليه وسلم - في أوقات النهي سدًا لذريعة مشابهة المشركين في سجودهم للشمس عند طلوعها وغروبها، فهذه المصلحة وهي عدم مشابهة المشركين جعلت الأمر الفاضل الذي هو التطوع بالصلاة أمرًا مفضولاً وترك التطوع الذي هو المفضول جعلته أمرًا فاضلاً، فانظر كيف أدَّى اقتران المصلحة الشرعية إلى جعل المفضول فاضلاً والفاضل مفضولاً، فإن قلت: فلماذا تجوزون إيقاع الصلاة إذا كان لها سبب في وقت النهي مع فوات المصلحة ووجود المفسدة؟ قلنا: لنا جوابان: الأول: أن الأدلة دلت على جواز إيقاع ذوات الأسباب في أوقات النهي كصلاة الطواف لحديث جبير بن مطعم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (يا بني عبد مناف لا تمنعوا من طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليلٍ أو نهار) رواه الخمسة وصححه الترمذي وابن حبان وظاهره العموم وكذلك الوضوء لحديث بلال: (ما توضأت أية ساعة من ليلٍ أو نهار إلا صليت بعده ركعتين) وأقره النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذلك، وكتحية المسجد لحديث أبي قتادة مرفوعًا: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين) ، وفي رواية: (فليركع ركعتين قبل أن يجلس) وظاهره العموم في أي وقتٍ، وكالصلاة المعادة لحديث يزيد بن الأسود الصحيح مرفوعًا: (إذا صليتما في رحالكما ثم أدركتما الإمام ولم يصل فصليا معه فإنها لكما نافلة) وقد قال ذلك لما رأى رجلين قد تخلفا عن صلاة الفجر مع الناس؛ لأنهما قد صليا في رحالهما فقاله مع دخول وقت النهي في حقهما، وأما سجود التلاوة والشكر فلا تعلق لهما بما نحن فيه؛ لأن القول الراجح أنهما ليسا بصلاة كما هو اختيار الشيخ تقي الدين - رحمه الله -، والمقصود أن ذوات الأسباب