القاعدة الثالثة والثلاثون
وقولنا: (الحادث) أي الواقع حديثًا، وقولنا: (يضاف) أي يلحق وينسب (إلى السبب المعلوم) أي المتيقن أو الظاهر، وقولنا: (المقدر المظنون) أي الأمر المشكوك في سببيته.
ومعناها: أنه إذا وقع تنازع في سبب حكم ما من الأحكام أيًّا كان وأمكن إضافته إلى سببين أحدهما: معلوم ظاهر، والآخر مظنون مقدر أي مفترض ومحتمل، فإننا نضيف هذا الحكم إلى السبب الذي تيقنا وعلمنا سببيته، لا إلى ما لم نتيقن ثبوته وسببيته، ذلك لأن هذا السبب المعلوم متيقن الثبوت، والسبب المقدر المظنون مشكوك في ثبوته، واليقين لا يزول بالشك كما تقدم، والأدلة على هذه القاعدة المهمة هي جميع الأدلة الدالة على أن اليقين لا يزول بالشك، ومما يستدل به عليها نصًا هو حديث عدي بن حاتم في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (إذا أرسلت كلبك المعلم وسميت فأمسك وقتل فكل، وإن أكل فلا تأكل فإنما أمسك لنفسه، وإن رميت الصيد فوجدته بعد يومٍ أو يومين ليس به إلا أثر سهمك فكل، وإن وقع في الماء فلا تأكل) والحديث مختصر، ووجه الاستشهاد منه هو أن الصيد الذي رماه بسهمٍ فذهب ثم وجده ميتًا وليس به إلا أثر سهمه فإن موته يحتمل أمرين: إما أن يكون بسبب رمية السهم وهي السبب المبيح، وإما أن يكون بسقوطه مثلاً أو بظمئه أو جوعه وهو السبب المحرم، فهنا سببان سبب معلوم ظاهر لنا وهو رمية السهم، وسبب مقدر مظنون وهو أن يكون مات بجوعٍ أو عطش وقد أجاز النبي - صلى الله عليه وسلم - أكل مثل هذا الصيد، مما يدل على أنه أضاف موته للسبب المعلوم المتيقن ثبوته، وأبطل جميع الأسباب المحتملة.