وأما: إن صدر الشك من رجلٍ معتدل الشكوك فهذا لا يخلو من حالتين: إما أن يصدر هذا الشك أثناء الفعل أي في حال فعل العبادة، وإما أن يصدر بعد فعلها وانتهائه منها، فإذا صدر الشك بعد العبادة فهو شك ملغىً أي ليس معتبراً؛ لأن الأصل أن الإنسان فعل العبادة تامة وهذا الشك من وسوسة الشيطان وعلاجه عدم الالتفات إليه. وأما إن صدر هذا الشك في أثناء العبادة فهو شك معتبر يعمل به حينئذٍ؛ لأن الشيء الذي شك فيه الإنسان في العبادة الأصل عدمه.

ومن شك في فعلٍ هل فعله أو لم يفعله؟ فالأصل أنه لم يفعله فيأتي بالشيء الذي شك فيه؛ لأن اليقين لا يزول بالشك، إذًا صار الشك عندنا لا يعتبر في حالتين ويعتبر في حالة واحدة، فلا يعتبر الشك من كثير الشكوك مطلقًا سواءً أثناء العبادة أو بعدها ولا يعتبر الشك من معتدل الشكوك بعد الانتهاء من العبادة، ويعتبر الشك من معتدل الشكوك في أثناء العبادة وبهذا تكون القاعدة قد بانت معالمها وفي ذلك قلت:

والشك بعد الفعل ليس يعتبر ... ... ومن كثير الشك أيضًا مغتفر

ونضرب بعض الفروع على كل الحالات الثلاث حتى تتضح القاعدة أكثر فأقول:

منها: رجل كثيرة شكوكه فصلى العصر ثم شك هل جلس للتشهد الأول أو لا؟ فالجواب: هذا الشك لا يعتبر سواءً صدر من كثير الشك أو من معتدل الشك، أما عدم اعتباره من كثير الشك فلما مضى أن كثير الشكوك مريض يعالج بأمره بترك شكه وأما وجه عدم اعتباره من معتدل الشك فلأن هذا الشك لم يقع إلا بعد الفعل أي بعد الانتهاء من صلاة العصر والشك من معتدل الشك بعد انتهاء الفعل لا يؤثر، إذًا نقول: صلاة العصر من هذا الرجل صحيحة على كل اعتبار ولا يلتفت إلى شكه مطلقًا ما لم يحصل عنده يقين أنه ترك ذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015