اعلم - أرشدك الله لطاعته - أن الأصل هو أن الشريعة الإسلامية يسيرة سهلة، فهي أخف الشرائع السماوية على الإطلاق، وهي الحنيفية السمحة.
قال تعالى: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ} وقال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ} وليس في الشريعة حكم يخرج عن حدود الطاقة البشرية، قال تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلا وُسْعَهَا} .
وأجمع العلماء أن الله تعالى لم يكلفنا بما لا نطيق، وهذا من فضله ورحمته جل وعلا فهذا هو الأصل العام في جميع الأحكام أصولاً وفروعًا، لكن قد يعرض أحيانًا للمكلف ما يكون تطبيق الحكم معه فيه حرج ومشقة، فإذا كان ذلك كذلك فإن الشريعة تخفف هذا الحكم إما بإسقاطه كله، أو بإسقاط بعضه، أو بالتخيير بين فعله وتركه، أو بإبداله بشيء أخف منه ونحو ذلك من أنواع التخفيف وذلك حتى تنتفي هذه المشقة ويرتفع ذلك الحرج. وهذه القاعدة هي ما يعبر عنها بعض الفقهاء بـ (المشقة تجلب التيسير) وقد دلت عليها أدلة كثيرة عامة وخاصة. فأما العامة فهي كل دليل من القرآن أو السنة فيه نفي الحرج ورفعه وأن الله لا يكلفنا ما لا نطيق، ولا يحملنا ما لا طاقة لنا به، وأنه يريد اليسر لا العسر، وأنه وضع عنا الآصار والأغلال، وأنه خفف عنا ما كان على من قبلنا فكل ذلك دليل على هذه القاعدة.
وأما الأدلة الخاصة فسنذكر طرفًا منها في الفروع -إن شاء الله تعالى-.
وهذه القاعدة من أعظم ميزات هذه الشريعة السمحة عن سائر الشرائع، فالحمد لله تعالى أن جعلنا من أهلها، وممن يدين بها فإنه من فضل الله ورحمته التي أمرنا أن نفرح بها قال تعالى {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} .
وحتى تتضح معالم هذه القاعدة اذكر لك طرفًا من فروعها فأقول: