أما جواب الشق الثاني: وهو هل الأفضل فعل الكفر المكره عليه أم الأفضل الصبر وإن أدى إلى القتل؟ أقول: هذا فيه خلاف طويل بين العلماء – رحمهم الله تعالى – وفصل القول فيه أنه تابع للمصلحة، فإن الشريعة لا تأمر إلا بما فيه مصلحة غالبة أو خالصة، ولا تنهى إلا عن ما فيه مفسدة خالصة أو غالبة، وليس في الشريعة ما تستوي فيه المصالح والمفاسد وإنما يفرض من باب التقسيم فقط وإلا فلا حقيقة له، فإذا أكره الإنسان على الكفر أو القتل فلينظر بعين الشرع، فإن كانت إجابته للمكره فيما أراد فيها مفسدة خالصة أو غالبة فنقول: عليه أن يصبر، وإن مات فهو شهيد، ومن ذلك صبر من صبر من الصحابة – رضوان الله عليهم – في أول الإسلام، وعليه قوله - صلى الله عليه وسلم - لما قال له خباب بن الأرت: ألا تدعو لنا ألا تستنصر لنا؟ فقال: (إنه كان من كان قبلكم يؤتى بالرجل فيحفر له في الأرض فيوضع المنشار على رأسه فيشق نصفين لا يرده ذلك عن دينه) . ومنه صبر الراهب وجليس الملك في حديث غلام الأخدود وهو عند مسلم من حديث صهيب بن سنان الرومي (?) . ومنه صبر الإمام أحمد على الفتنة وعذابها فإنه قد افتتن كثير من علماء عصره إلا هو – رضي الله عنه وأرضاه – ومن شاء الله تعالى، فثبت على البلاء ووقف في وجه المأمون والمعتصم والواثق وقوف الرجال وكان يقال له: إن لك في ذلك فسحة من الله فإنك مكره، وكان يجيبهم بأن كلامه مسموع فلو قال ما أرادوه من القول بخلق القرآن لنقلها الناس عن إمام أهل السنة وافتتن بها خلق كثير، فلما غلبت المفسدة على المصلحة صبر وثبت وأصر على الحق ولم يجبهم إلى ما أرادوه (?) ، والأمثلة كثيرة.