الباطن. فكيف نقول: أن من أكره على الكفر يجوز له الكفر في الظاهر فقط وهذا الحديث يثبت عقوبة من كفر ظاهرًا وهو مكره؟
أقول: هذا سؤال وجيه جدًا، وقد حاول العلماء الإجابة عنه فذكروا أجوبة عديدة فقال بعضهم: إن الرجل الذي قرب ذبابًا وافقهم في الظاهر والباطن فاستحق دخول النار؛ لأنه وافقهم في الباطن. ويجاب عنه: بأن هذه دعوى وكل دعوى لا تقبل إلا بالدليل، فأين الدليل الدال على موافقته لهم في الباطن؟ بل ظاهر الأمر أنه لم يفعل ذلك إلا لخوفه أن يقتلوه فهو في الحقيقة مكره.
وقال بعضهم: إنه استحق دخول النار؛ لأنه كان كافرًا بالأصل، فليس سببه التقريب لغير الله. ويجاب عنه: بأن الحديث سيق لبيان خطر الذبح لغير الله، ولو كان كافرًا لدخل النار بمجرد كفره، فلما قال: (فقرب ذبابًا فخلو سبيله فدخل النار) دل ذلك على أن سبب دخوله للنار هو هذا التقريب؛ ولأن قوله: (فدخل النار) حكم مقرون بالفاء بعد قوله: (فقرب ذبابًا) وهو وصف وعلة الحكم المقرون بالفاء بعد وصف هو عين ذلك الوصف.
وقال بعضهم: بل دخل النار؛ لأنه لم يصل إلى حد الإكراه الملجئ الرافع للتكليف. ويجاب عنه: بأن هؤلاء القوم قد هددوهما بالقتل إن لم يقربا، بل إنهم قتلوا الآخر وهذا هو عين الإكراه الملجئ.
وقد يقال: إن التكليف يزول بمسمى الإكراه ولا ينظر هل هو ملجئ أو غير ملجئ لعموم الأدلة، وتقدم ذلك.
وقال بعضهم: إن الرخصة إنما هي في الكفر القولي أي باللسان فقط، أما الكفر العملي فإنه يقع حكمه على صاحبه وإن كان مكرهًا، وهذا الرجل كفر كفرًا عمليًا وهو الذبح لغير الله، ولا رخصة في ذلك. ويجاب: أن عموم الآية والحديث يدل على دخول الكفر العملي، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وذكروا غير ذلك.
فإن قلت فما الجواب الصحيح؟