والتغييرات المناسبة ينبغي أَن تكون إِلى ما في الجنس، لا إِلى أَشياء خارجة عن الجنس الذي فيه القول. فإِذا أَراد الخطيب أَن يحسّن، فيجعل التغيير إِلى الذي هو أَفضل في ذلك الجنس. وإِذا أَراد أَن يقبح، جعل التغيير إِلى الأَخس في ذلك الجنس. مثال ذلك أَن الشفاعة والتضرع داخلان تحت جنس واحد، وهو المسئلة. والتضرع أَخس من الشفاعة. وذلك أَن التضرع يكون ممن هو دون، والشفاعة من المساوي. فمتى أَردنا أَن نحسن التضرع سميناه شفاعة، ومتى أَردنا أَن نخسس الشفاعة سميناها تضرعا. وكذلك إِذا أَردنا أَن نعظم الشيءَ الواحد بعينه سميناه بالأَعظم من ذلك الجنس. وإِذا أَردنا أَن نصغره سميناه بالأَصغر. مثال ذلك أَن من سرق، إِذا أَردنا أَن نعظم أَمره، قلنا: إِنه حارب؛ وإِذا أَردنا تصغيره، قلنا: إِنه خان. وذلك أَن هذه الأَفعال كلها داخلة تحت أَخذ المال دون عوض ولا رضى من ذي المال.
وإِذا أُريد أَن يكون التغيير مفهما للشيءِ، فينبغي أَن يؤتى به من الأَشياءِ التي هي واحدة بالنوع. وذلك في الأَشياءِ التي لا أَسماء لها، لأَن التي لها أَسماء، في أَسمائها كفاية في تفهيمها. والتغيير الذي بهذه الصفة يجعل القول محققا، فيقل تخييله. فربما كان الأَنفع في مواضع أَن يكون التغيير فيه رمزاً ما وأَشكالا.
وحسن الاسم يكون بأَن يؤتى فيه بلفظ غير مستبشع ولا ثقيل. وذلك يكون بأَلا يصرح باسم الشيءَ الخاص به. وهذا هو الذي يسمى كناية. فإِن التصريح بأَسماءِ الأَشياءِ في أَكثر الأَمر مستبشع. وذلك يكون بأَوجه، أَحدها: أَن يؤتى بلفظ إِما أَعم من الشيءِ، وإِما أَخص منه. والثاني: إِذا كان المعنى المغير عنه قبيحا فتجعل العبارة عنه بلفظ مشترك بين ذلك المعنى القبيح ومعنى آخر مما ليس بقبيح، وهو الذي يسميه أَرسطو الكلام المفوض.
والثالث: أَن تجعل العبارة عنه بالعلامة الخاصة به المنعكسة عليه في الحمل. وهذا التغيير يجعل الأَمر بينا حتى كأَنه بحذاءِ العين. ويقل استعمال مثل هذا التغيير، وذلك بعكس ما عليه الأَمر في الوجه الأَول. وذلك أَنه ليس يكاد أَن يوجد شيء له اسم خاص إِلا وقد يمكن أَن يعبر عنه بلفظ عام. وأَما العلامات فيقل وجودها، ولكن إِذا وجدت فاستعمالها مشهور، وهي قريبة الدلالة على الشيءِ. والوجه الرابع أَن يكنى عن الشيءِ بالضد أَو بالأَكثر والأَقل. أَما الضد، فمثل قوله تعالى: " كانا يأكلان الطعام ". وأَما استعمال الأَكثر والأَقل فمثل أَن ينبه بالأَكثر على الأَقل أَو بالأَقل على الأَكثر. مثال ذلك أَن يمدح الإِنسان بحضرة من هو أَزيد فضيلة منه، ينبه بذلك على نقصان فضيلته؛ أَو يذم الأَنقص فضيلة منه، لينبه بذلك على نقصان فضيلته. وربما كان مدح إِنسانٍ ما تعريضاً بالمذمة لإِنسان آخر. وبالعكس. وذلك إِذا كان بيناً من أَمر ذينك الإِنسانين أَنهما متباينان في الخلق والسيرة والنسب وسائر الأَشياء التي تعد فضيلة. ولذلك قال ذلك في التعريض: ما أُمي بزانية ولا أَبي بزان. وقد يكون التعريض بالتشبيه في مثل هذا الموضع، إِلا أَنه إِذا كان التصريح بالشيءِ قبيحا، كان التشبيه البعيد في ذلك أَحسن من القريب. فإِن الشيءَ الواحد بعينه قد يغير تغييرات مختلفة، فيتفاوت ذلك الشيءُ في الحسن والقبح، بحسب تفاوت الأَشياء التي وقع التغيير إِليها، أَعني الأَشباه. مثال ذلك أَن يصف واصف امرأَة مخضوبة اليد بالحناءِ، فيقول فيها: حمراء الأَطراف، أَو قرمزية الأَطراف، أَو وردية الأَطراف، أَو كما قال:
من كف جارية كأَن بنانها ... من فضة قد طوقت عنابا