ذلك وَقَدْ ورد ذم الكلام عَلَى مَا قد أشرنا إليه وَقَدْ نقل إلينا أقلاع منطقي المتكلمين عما كانوا عَلَيْهِ لما رأوا من قبح غوائله.
فأَخْبَرَنَا أَبُو منصور القزاز نا أَبُو بَكْر أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن ثابت نا أَبُو منصور مُحَمَّد بْن عِيسَى بْن الْعَزِيز البزار ثنا صالح الوفاة بْن أَحْمَدَ بْن مُحَمَّد الْحَافِظ ثنا أَحْمَد بْن عُبَيْد بْن إِبْرَاهِيم ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْن سُلَيْمَان بْن الأشعت قَالَ سمعت أَحْمَد بْن سنان قَالَ كان الوليد بْن أبان الكرابيسي خالي فلما حضرته الوفاة قَالَ لبنيه تعلمون أحدا أعلم بالكلام مني قالوا لا قَالَ فتتهمونني قالوا لا قَالَ فإني أوصيكم أتقبلون قالوا نعم قَالَ عليكم بما عَلَيْهِ أصحاب الحديث فإني رأيت الحق معهم وكان أَبُو المعالي الجويني يَقُول لقد جلت أهل الإسلام جولة وعلومهم وركبت البحر الأعظم وغصت فِي الذي نهوا عنه كل ذلك فِي طلب الحق وهربا من التقليد والآن فقد رجعت عَن الكل إِلَى كلمة الحق عليكم بدين العجائز فَإِن لم يدركني الحق بلطيف بره فأموت عَلَى دين العجائز ويختم عاقبة أمري عند الرحيل بكلمة الإخلاص فالويل لابن الجويني وكان يَقُول لأصحابه يا أصحابنا لا تشتغلوا بالكلام فلو عرفت أن الكلام يبلغ بي مَا بلغ مَا تشاغلت به وقال أَبُو الوفاء بْن عقيل لبعض أصحابه أنا أقطع أن الصحابة ماتوا وما عرفوا الجوهر والعرض فَإِن رضيت أن تكون مثلهم فكن وإن رأيت أن طريقة المتكلمين أولى من طريقة أبي بَكْر وعمر فبئس مَا رأيت قَالَ وَقَدْ أفضى الكلام بأهله إِلَى الشكوك وكثير منهم إِلَى الإلحاد تشم روائح الإلحاد من فلتات كلام المتكلمين وأصل ذلك أنهم مَا قنعوا بما قنعت به الشرائع وطلبوا الحقائق وليس فِي قوة العقل إدراك مَا عند اللَّه من الحكمة التي أنفرد بِهَا ولا أخرج الباري من علمه لخلقه مَا علمه هو من حقائق الأمور قَالَ وَقَدْ بالغت فِي الأَوَّل طول عمري ثم عدت القهقري إِلَى مذهب الكتب وإنما قالوا إن مذهب العجائز أسلم لأنهم لما انتهوا إِلَى غاية التدقيق فِي النظر لم يشهدوا مَا ينفي العقل من التعليلات والتأويلات فوقفوا مَعَ مراسم الشرع وجنحوا عَن القول بالتعليل وأذعن العقل بأن فوقه حكمة إلهية فسلم وبيان هَذَا أن نقول أحب أن يعرف أراد أن يذكر فيقول قائل هل شغف باتصال النفع هل دعاه داع إِلَى إفاضة الإحسان ومعلوم أن للداعي عوارض عَلَى الذات وتطلبات من النفس وما تعقل ذلك إلا الذات يدخل عليها داخل من شوق إِلَى تحصيل مَا لم يكن لها وهي إليه محتاجة فَإِذَا وجد ذلك العرض سكن الشغف وفتر الداعي وذلك الحاصل يسمى غني والقديم لم يزل موصوفا بالغني منعوتا بالاستقلال بذاته الغنية عَن استزادة أَوْ عارض ثم إذا نظرنا فِي إنعامه رأيناه مشحونا بالنقص