قَالَ ويبقى أهل الْجَنَّة جمودا سكوتا لا يفضون بكلمة ولا يتحركون ولا يقدرون هم ولا ربهم عَلَى فعل شيء من ذلك لأن الحوادث كلها لا بد لها من آخر تنتهي إليه لا يكون بعده شيء تعالى اللَّه عَنْ ذلك علوا كبيرا.
قال المصنف: قلت وذكر أَبُو القاسم عَبْد اللَّهِ بْن أَحْمَدَ بْن مُحَمَّد البلخي فِي كتاب المقالات إن أبا الهذيل اسمه مُحَمَّد بْن الهذيل العلاف وَهُوَ من أهل البصرة من عَبْد القيس مولى لهم وانفرد بأن قَالَ أهل الْجَنَّة تنقضي حركاتهم فيصيرون إِلَى سكون دائم وإن لما يقدر اللَّه عَلَيْهِ نهاية لو خرج إِلَى الفعل ولن يخرج استحال أن يوصف اللَّه عز وجل بالقدرة عَلَى غيره وكان يَقُول إن علم اللَّه هو اللَّه وإن قدرة اللَّه هي اللَّه وقال أَبُو هاشم من تاب عَنْ كل شيء إلا أنه شرب جرعة من خمر فإنه يعذب عذاب أهل الكفر أبدا وقال النظام إن اللَّه عز وجل لا يقدر عَلَى شيء من الشر وإن إبليس يقدر عَلَى الخير والشر وقال هشام القوطي أن اللَّه لا يوصف بأنه عالم لم يزل وقال بعض المعتزلة يجوز عَلَى اللَّه سبحانه وتعالى الكذب إلا أنه لم يقع مِنْهُ وقالت المجيرة لا قدر للآدمي بل هو كالجماد مسلوب الاختيار والفعل وقالت المرجئة إن من أقر بالشهادتين وأتى بكل المعاصي لم يدخل النار أصلا وخالفوا الأحاديث الصحاح فِي إخراج الموحدين من النار قَالَ ابْن عقيل مَا أشبه أن يكون واضع الإرجاء زنديقا فَإِن صلاح العالم بإثبات الوعيد واعتقاد الجزاء فالمرجئة لما لم يمكنهم جحد الصانع لما فيه من نفور
الناس ومخالفة العقل أسقطوا فائدة الإثبات وهي الخشية والمراقبة وهدموا سياسة الشرع فهم شر طائفة عَلَى الإسلام.
قال المصنف: قلت وتبع أَبُو عَبْد اللَّهِ بْن كرام فاختار من المذاهب أردأها ومن الأحاديث أضعفها ومال إِلَى التشبيه وأجاز حلول الحوادث فِي ذات الباري سبحانه وتعالى وقال إن اللَّه لا يقدر عَلَى إعادة الأجسام والجواهر إنما يقدر عَلَى ابتدائها قالت السالمية إن اللَّه عز وجل يتجلى يوم القيامة لكل شيء فِي معنا فيراه الآدمي آدميا والجني جنيا وقالوا اللَّه سر لو أظهره لبطل التدبير.
قال المصنف: قلت أعوذ بالله من نظر وعلوم أوجبت هذه المذاهب القبيحة وَقَدْ زعم أرباب الكلام أنه لا يتم الإيمان إلا بمعرفة من رتبوه وهؤلاء عَلَى خطأ لأن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بالإيمان ولم يأمر ببحث المتكلمين ودرجة الصحابة الذين شهد لهم الشارع بأنهم خير الناس عَلَى