ومنهم من وحد إلا أنه أسقط العبادات وقال هذه أشياء نصبت للعوام لعدم المعارف وهذا نوع شرك لأن اللَّه عز وجل لما عرف أن معرفته ذات قعر بعيد وجو عال وبعيد أن يتقي من لم يعرف خوف النار لأن الخلق قد عرفوا قدر لذعها وقال لأهل المعرفة: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} وعلم أن المتعبدات أكثرها تقتضي الإنس بالأمثال ووضع الجهات والأمكنة والأبنية والحجارة للانساك والاستقبال فأبان عَنْ حقائق الإيمان به فَقَالَ: {َيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ} وقال: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا} فعلم أن المعول عَلَى المقاصد ولا يكفي مجرد المعارف من غير امتثال كَمَا تعول عَلَيْهِ الملحدة الباطنية وشطاح الصوفية.
وبإسناد عَنْ أبي القاسم بْن عَلِيّ بْن المحسن التنوخي عَنْ أبيه قَالَ أخبرني جماعة من أهل العم أن بشراز رجل يعرف بابن خفيف البغدادي شيخ الصوفية هناك يجتمعون إليه ويتكلم عَنِ الخطرات والوساوس ويحضر حلقة ألوف من الناس وأنه فاره فهم حاذق فاستغوى الضعفاء من الناس إِلَى هَذَا المذهب قَالَ فمات رجل منهم من أصحابه وخلف زوجة صوفية فاجتمع النساء الصوفيات وهن خلق كثير ولم يختلط بمأتمهن غيرهن فلما فرغوا من دفنه دخل ابْن خفيف وخواص أصحابه وهم عدد كثير إِلَى الدار وأخذ يعزي المرأة بكلام الصوفية إِلَى أن قالت قد تعزيت فَقَالَ لها ههنا غير فقالت لا غير قَالَ فما معنى إلزام النفوس آفات الغموم وتعذيبها بعذاب الهموم ولأي معنى نترك الامتزاج لتلتقي الأنوار وتصفوالأرواح ويقع الإخلافات وتنز الْبَرَكَاتِ قَالَ فقلن النساء إذا شئت قَالَ فاختلط جماعة الرجال بجماعة النساء طول ليلتهم فلما كان سحر خرجوا قَالَ المحسن قوله ههنا غير أي ههنا غير موافق المذهب فقالت لا غير أي ليس مخالف وقوله نترك الامتزاج كناية عَنِ الممازجة فِي الوطء وقوله لتلتقي الأنوار عندهم أن فِي كل جسم نورا الهيا وقوله إخلافات أي يكون لكن خلف ممن مات أَوْ غاب من أزواجكن قَالَ المحسن وهذا عندي عظيم ولولا أن جماعة يخبروني يبعدون عَنِ الكذب مَا حكيته لعظمه عندي واستبعاد مثله أن يجري فِي دار الإسلام قَالَ وبلغني أن هَذَا ومثله شاع حتى بلغ عضد الدولة فقبض عَلَى جماعة منهم وضربهم بالسياط وشرد جموعهم فكفوا.
فصل: ولما قل علم الصوفية بالشرع فصدر منهم من الأفعال والأقوال مَا لا يحل مثل مَا قد ذكرنا ثم تشبه بهم من ليس منهم وتسمى باسمهم وصدر عنهم مثل مَا قد حكينا وكان الصالح منهم نادرا ذمهم خلق من العلماء وعابوهم حتى عابهم مشائخهم.