من الطين وألبسته المرقعة وحملته إِلَى دار ذلك الرَّجُل فأقمنا عنده إِلَى العصر ثم خرجنا إِلَى المسجد فلما كان وقت المغرب رأيت الناس يهربون ويغلقون الأبواب ويصعدون السطوح فسألناهم فقالوا السباع تدخل القرية بالليل وكان حوالي القرية أجمة عظيمة وَقَدْ قطع منها القصب وبقيت أصوله كالسكاكين فلما سمع النوري هَذَا الحديث قَامَ فرمى بنفسه فِي الأجمة عَلَى أصول القصب المقطوع ويصيح ويقول أين أنت يا سبع فما شككنا أن الأسد قد أفترسه أَوْ قد هلك فِي أصول القصب فلما كان قريب الصبح جاء فطرح نفسه وَقَدْ هلكت رجلاه فأخذنا بالمنقاش مَا قدرنا عَلَيْهِ فبقي أربعين يوما لا يمشي عَلَى رجليه فسألته أي شيء كان ذلك الحال قَالَ لما ذكروا السبع وجدت فِي نفسي فزعا فقلت لأطرحنك إِلَى مَا تفزعين مِنْهُ.
قلت لا يخفى عَلَى عاقل تخبيط هَذَا الرَّجُل قبل أن يقع فِي الماء والطين وَكَيْفَ يجوز للإنسان أن يلقي نفسه فِي ماء وطين وهل هَذَا إلا فعل المجانين وأين الهيبة والتعظيم من قوله ترى مَا يفعل بي وما وجه هَذَا الانبساط وينبغي أن تجف الألسن فِي أفواهها هيبة ثم مَا الذي يريده غير الذكر ولقد خرج عَنْ الشريعة بخروجه إِلَى السبع ومشيه عَلَى القصب المقطوع وهل يجوز فِي الشرع أن يلقي الإنسان نفسه إِلَى سبع أترى أراد منها أن يغير مَا طبعت عَلَيْهِ من خوف السباع ليس هَذَا فِي طوقها ولا طلبه الشرع منها ولقد سمع هَذَا الرَّجُل بعض أصحابه يَقُول مثل هَذَا القول فأجابه بأجود جواب أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حبيب نا عَلِيّ بْن أبي صَادِق نا ابْنُ باكويه نا يعقوب الحواط نا أَبُو أَحْمَد المغازي قَالَ رأيت النوري وَقَدْ جعل نفسه إِلَى أسفل ورجليه إِلَى فوق وَهُوَ يَقُول من الخلق أوحشتني ومن النفس والمال والدنيا أفقرتني ويقول مَا معك إلا علم وذكر قَالَ فقلت لَهُ إن رضيت وإلا فانطح برأسك بالحائط أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن أبي القاسم أَنْبَأَنَا الْحَسَن بْن مُحَمَّد بْن الفضل الكراماني نا سَهْل بْن عَلِيٍّ الخشاب نا عَبْدُ اللَّهِ بْن عَلِيٍّ السراج قَالَ سمعت أبا عمرو بْن علوان يَقُول حمل أبو الحسين النوري ثلاثمائة دِينَار ثمن عقار بيع لَهُ وجلس عَلَى قنطرة وجعل يرمي واحدا واحدا منها إِلَى الماء ويقول جثتي تريدي أن تخدعيني منك بمثل هَذَا قَالَ السراج فَقَالَ بعض الناس لو نفقها فِي سبيل اللَّه كان خيرا لَهُ فقلت إن كانت تلك الدنانير تشغله عَنْ اللَّه طرفة عين كان الواجب أن يرميها فِي الماء دفعة واحدة حتى يكون أسرع لخلاصه من فتنتها كَمَا قَالَ اللَّه عز وجل: {فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ} قلت لقد أبان هؤلاء القوم عَنْ جهل بالشرع وعدم عقل وَقَدْ بينا فيما تقدم أن الشرع أمر بحفظ المال وأن لا يسلم إلا إِلَى رشيد وجعله قواما للآدمي والعقل يشهد بأنه إنما