قَالَ المصنف رحمه اللَّه: قلت ليس فِي شرعنا بحمد اللَّه من هَذَا شيء بل فيه تحريم ذلك والمنع مِنْهُ وَقَدْ قَالَ نبينا عَلَيْهِ الصلاة والسلام: "ليس للمؤمن أن يذل نفسه" ولقد فاتت الجمعة حذيفة فرأى الناس راجعين فاستتر لئلا يرى بعين النقص فِي قصة الصلاة وهل طالب الشرع أحدا بمحو أثر النفس وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ أتى شيئا من هذه القاذورات فليستتر بستر اللَّه" كل هَذَا للإبقاء عَلَى جاه النفس ولو أمر بهلول الصبيان أن يصفعوه لكان قبيحا فنعوذ بالله من هذه العقول الناقصة التي تطالب المبتدىء بما لا يرضاه الشرع فينفر.
وقد حكى أَبُو حامد الغزالي فِي كتاب الأحياء عَنْ يَحْيَى بْن معاذ أنه قَالَ قلت لأبي يَزِيد هل سألت اللَّه تعالى المعرفة يقال عزت عَلَيْهِ أن يعرفها سواه فقلت هَذَا إقرار بالجهل فَإِن كان يشير إِلَى معرفة اللَّه تعالى فِي الجملة وأنه موجود وموصوف بصفات وهذا لا يسمع أحدا من المسلمين جهله وان تخايل لَهُ أن معرفته هي اطلاع عَلَى حقيقة ذاته وكنهها فهذا جهل به.
وحكى أَبُو حامد أن أبا تراب النخشبي قَالَ لمريد لَهُ لو رأيت أبا يَزِيد مرة واحدة كان أنفع لك من رؤية اللَّه سبعين مرة قلت وهذا فوق الجنون بدرجات.
وحكى أَبُو حامد الغزالي عَنْ ابْن الكريني أنه قَالَ نزلت فِي محلة فعرفت فيها بالصلاح فنشب فِي قلبي فدخلت الحمام وعينت عَلَى ثياب فاخرة فسرقتها ولبستها ثم لبست مرقعتي وخرجت فجعلت أمشي قليلا قليلا فلحقوني فنزعوا مرقعتي وأخذوا الثياب وصفعوني فصرت بعد ذلك أعرف بلص الحمام فسكنت نفسي قال أَبُو حامد فهكذا كانوا يرضون أنفسهم حتى يخلصهم اللَّه من النظر إِلَى الخلق ثم من النظر إِلَى النفس وأرباب الأحوال ربما عالجوا أنفسهم بما لا يفتي به الفقيه مهما رأوا صلاح قلوبهم ثم يتداركون مَا فرط منهم من صورة التقصير كَمَا فعل هَذَا فِي الحمام قلت سبحان من أخرج أبا حامد من دائرة الفقه بتصنيفه كتاب الأحياء فليته لم يحك فيه مثل هَذَا الذي لا يحل والعجب مِنْهُ أنه يحكيه ويستحسنه ويسمي أصحابه أرباب أحوال وأي حالة أقبح وأشد من حال من خالف الشرع ويرى المصلحة فِي النهي عنه وَكَيْفَ يجوز أن يطلب طلاح القلوب بفعل المعاصي وَقَدْ عدم فِي الشريعة مَا يصلح به قلبه حتى يستعمل مَا لا يحل فيها وهذا من جنس مَا تفعله الأمراء الجهلة من قتل من لا يجوز قتله ويسمونه سياسة ومضمون ذلك الشريعة مَا تفي بالسياسة وكيف يحل للمسلم أن يعرف نفسه لأن يقال عنه سارق وهل يجوز أن يقصد وهن دينه ومحو ذلك عند شهداء اللَّه فِي الأَرْض ولو أن