فأرح جوارحك من كلف التكاليف وافسح لنفسك من مشتهاها فان وقعت فِي زلة فالعلم يدفع عنك العقوبة وأورد عَلَيْهِ فضل العلماء فان خذل هَذَا العبد وقبل هَذَا التلبيس يهلك وان وفق فينبغي لَهُ أن يَقُول جوابك من ثَلاثَة أوجه أحدها أنه إنما فضل العلماء بالعمل ولولا العمل به مَا كان لَهُ معنى وإذا لم أعمل به كنت كمن لم يفهم المقصود به ويصير مثلي كمثل رجل جمع الطعام وأطعم الجياع ولم يأكل فلم ينفعه ذلك من جوعه والثاني أن يعارضه بما ورد فِي ذم من لم يعمل بالعلم لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أشد الناس عذابا يوم القيامة عالم لم ينفعه اللَّه بعلمه" وحكايته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رجل يلقي فِي النار فتندلق أقتابه فيقول كنت آمر بالمعروف ولا آتيه وأنهى عَن المنكر وآتيه وقول أبي الدرداء رَضِيَ اللَّهُ عنه ويل لمن يعلم مرة وويل لم علم ولم يعمل سبع مرات والثالث أن يذكر لَهُ عقاب من هلك من العلماء التاركين لِلْعَمَل بالعلم كإبليس وبلعام ويكفي فِي ذم العالم إذا لم يعمل قوله تعالى: {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً} .
فصل وقد لبس إبليس عَلَى أقوام من المحكمين فِي العلم والعمل من جهة أخرى فحسن لهم الكبر بالعلم والحسد للنظير والرياء لطلب الرياسة فتارة يريهم أن هَذَا كالحق الواجب لهم وتارة يقوي حب ذلك عندهم فلا يتركونه مَعَ علمهم بأنه خطأ وعلاج هَذَا لمن وفق إدمان النظر فِي إثم الكبر والحسد والرياء وإعلام النفس أن العلم لا يدفع شر هذه المكتسبات بل يضاعف عذابها لتضاعف الحجة بِهَا ومن نظر فِي سير السلف من العلماء العاملين استقر نفسه فلم يتكبر ومن عرف اللَّه لم يراء ومن لاحظ جريان أقداره عَلَى مقتضى إرادته لم يحسد.
وَقَدْ يدخل إبليس عَلَى هؤلاء بشبهة ظريفة فيقول طلبكم للرفعة ليس بتكبر لانكم نواب الشرع فانكم تطلبون إعزاز الدين ودحض أهل البدع وإطلاقكم اللسان فِي الحساد غضب للشرع إذ الحساد قد ذموا من قَامَ به وما تظنونه رياء فليس برياء لأن من تخاشع مِنْكُمْ وتباكى اقتدى به الناس كَمَا يقتدون بالطبيب إذا احتمى أكثر من اقتدائهم بقوله إذا وصف.
وكشف هَذَا التلبيس أنه لو تكبر متكبر عَلَى غيرهم من جنسهم وصعد فِي المجلس فوقه أَوْ قل حاسد عنه شيئا لم يغضب هَذَا العالم لذلك كغضبه لنفسه وإن كان المذكور من نواب الشرع فعلم أنه إنما لم يغضب لنفسه بل للعلم وأما الرياء فلا عذر فيه لأحد ولا يصلح أن يجعل طريقا لدعاية الناس وَقَدْ كان أيوب السختياني إذا حدث بحديث فرق ومسح وجهه وقال مَا أشد