قال المصنف: كان الوعاظ فِي قديم الزمان علماء فقهاء وَقَدْ حضر مجلس عُبَيْد بْن عمير عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر رَضِيَ اللَّهُ عنه وكان عُمَر بْن عَبْدِ الْعَزِيز يحضر مجلس القاص ثم خست هذه الصناعة فتعرض لها الجهال فبعد عَن الحضور وعندهم المميزون من الناس وتعلق بهم العوام والنساء فلم يتشاغلوا بالعلم وأقبلوا عَلَى القصص وما يعجب الجهلة وتنوعت البدع فِي هَذَا الفن.
وقد ذكرنا آفاتهم فِي كتاب القصاص المذكرين إلا أنا نذكر هنا جملة فمن ذلك أن قوما منهم كانوا يضعون أحاديث الترغيب والترهيب ولبس عليهم إبليس بأننا نقصد حث الناس عَلَى الخير وكفهم عَن الشر وهذا افتيات منهم عَلَى الشريعة لأنها عندهم عَلَى هَذَا الفعل ناقصة تحتاج إِلَى تتمة ثم نسوا قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" ومن ذلك أنهم تلمحوا مَا يزعج النفوس ويطرب القلوب فنوعوا فيه الكلام فتراهم ينشدون الأشعار الرائقة الغزلية فِي العشق ولبس عليهم إبليس بأننا نقصد الإثارة إِلَى محبة اللَّه عز وجل ومعلوم أن عامة من يحضرهم العوام الذين بواطنهم مشحونة بحب الهوى فيضل القاص ويضل ومن ذلك من يظهر من التواجد والتخاشع زيادة عَلَى مَا فِي قلبه وكثرة الجمع توجب زيادة تعمل فتسمح النفس بفضل بكاء وخشوع فمن كان منهم كاذبا فقد خسر الآخرة ومن كان صادقا لم يسلم صدقه من رياء يخالطه ومنهم من يتحرك الحركات التي يوقع بِهَا عَلَى قراءة الألحان والألحان التي قد أخرجوها الْيَوْم مشابهة للغناء فهي إِلَى التحريم أقرب منها إِلَى الكراهة والقارىء يطرب والقاص ينشد الغزل مَعَ تصفيق بيديه وإيقاع برجليه فتشبه السكر ويوجب ذلك تحريك الطباع وتهييج النفوس وصياح الرجال والنساء وتمزيق الثياب لما فِي النفوس من دفائن الهوى ثم يخرجون فيقولون كان المجلس طيبا ويشيرون بالطيبة إِلَى مَا لا يجوز ومنهم من يجري فِي مثل تلك الحالة التي شرحناها لكنه ينشد أشعار النوح عَلَى الموتى ويصف مَا يجري لهم من البلاء ويذكر الغربة.