اتبعه أبي، - ولكنه كره أن يقول: اتبعته - فسأله عن الدعاء ثم رجع فأخبرهم بالدعاء: اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي. اللهم إني أسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وكلمة العدل والحق في الغضب والرضا وأسألك القصد في الفقر والغنى، وأسألك برد العيش بعد الموت، وأسألك لذة النظرإلي وجهك، وأسألك الشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين)) . وهو صحيح الإسناد كما قال الحاكم ووافقه الذهبي وله طريق أخرى فيها شريك القاضي عند أحمد (4/264) وابن أبي شيبة (10/264-265) والنسائي (3/55) . وبقيت طرق وشواهد لا مجال لها ههنا.
فهذا السائب بن مالك والد عطاء رحمهما الله - يقول: ((فاتبعه رجل)) ، كره أن يقول: ((فاتبعته)) حتى يخفى عمله، فلا يدل به، ولا يدلل عليه! وكذلك كانوا رحمة الله عليهم ورضوانه يحرصون على تحقيق الإخلاص - قولاً وعملاً - ويخافون على قلوبهم من الفساد وعلى اعمالهم من الحبوط من محبة الشهرة والعجب والرياء وسائر الآفات التي لا يستمرؤها إلا قلب فاسد مريض! أما الآن، فصرنا لا نسمع بهؤلاء إلا في بطن كتاب، أو تحت تراب (¬1) ! ورأينا رؤوس الجهالة أدعياء العلم والتحقيق أكثير شئ حرصاً عل الشهرة والشهوات الخفية، تماماً كحرص هؤلاء الأظهار الأبرار الأخيار على إخفاء الأعمال واتقاء الكبير المتعال ّ فنسأل العلي القدير تعالى الثبات في الأمر، ونعوذ بوجهه الكريم من الخذرن والمكر. كلا، ولا يسر كاتب هذه السطور - العبد الفقير - إن يظن أحد من القراء أنه يدعي لنفسه ما يزري على غيره ترك تحقيقه من إخلاص وتجرد وبراءة من الآفات، إذ هو بشر من البشر يعتريه ما يعتريهم،