أصلح من المَرْج، فإن فيه خضرًا ومياهًا كثيرة، والله أعلم بحقيقة الحال.
وذكروا أن التتار قرّبوا حتّى وصل منهم طائفة إلى القُطَيفة، ومنهم من يقول: تُرك الجيش بأسره على الجسور قبلي دمشق، فسكن النَّاس بين الظهر والعصر، فلما كان بعد العصر شرع النَّاس يتحدثون في رحيلهم من هناك، فمن النَّاس من يقول: قد شرع المصريون في الرحيل والشاميون يتبعونهم بلا شك، واضطرب النَّاس، وكان الشّيخ تقي الدين في البلد، وأمّا القضاة فكانوا قد خرجوا مع الجيش.
وبات النَّاس ليلة الخميس، وفي أول اللّيل رأى النَّاس نيرانهم وخيمهم، وفي آخره لم يروا لهم أثرًا، فأصبح النّاسُ بكرةَ يوم الخميس، وقد اشتدَّ الأمرُ واضطربَ البلدُ، وغُلِّقت الأبواب، وازدحم النَّاس في القلعة، وهرب من قدر منهم، ومنهم من عجز، وخرج الشّيخ تقي الدين بُكرةً إلى جهتهم، ففُتِح له باب النصر بمشقَّة، وحصل له لومٌ كثير من النَّاس، لكونه كان من مواقع الجفل، وبقي البلد لا متولي فيه والناس رَعاع، وغلا السِّعر، ثمّ انحصر الناس فلا يجسر أحدٌ على الخروج إلى بستانه ولا مزرعته ولا داره، وخرجت الشلوح واللصوص إلى البساتين يقطفون المشمش قبل أوانه، وكذلك الباقلاء والقمح والشعير في السنبل، والخسّ والثوم والبصل وغير ذلك من الزرعات، والناس في حيرة، وحيل بينهم وبين خبر المسلمين، وانقطعت الطريق من دمشق إلى الكسوة في ساعة واحدة، فيرجع هذا وهو مجروح، وهذا وهو مُشَلَّح، وظهرت الوَحْشة على البلد والحواضر وجميع الحواضر أُخليت، وليس للناس