وأما الأحكام فإن العلماء اختلفوا في العام ما حكمه؟
فقال بعض الأحداث ممن لا سلف له في القرون الثلاثة: إن حكم العام الوقف فيه حتى يتبين المراد به كالمشترك ..
وقال بعضهم: الثابت به أخص الخصوص حتى تقوم الدلالة على العموم.
وقال الشافعي: إنه على العموم حتى يقوم الدليل على الخصوص، ولكنه غير موجب حكمه لعمومه قطعاً كالخاص لخصوصه، بل على تجوز الخصوص واحتماله كالحكم الثابت بالقياس يكون ثابتاً لا قطعاً، ولكن على تجوز الخطأ واحتماله حتى جوز تخصيص العام بالقياس وجعل الثابت بالقياس أولى من الثابت بالعموم، وإذا عارضه الخاص في بعض محاله جعل الخاص أولى، وجعل قوله هذا قولاً واحداً فيما يمكن القول بعمومه في نفسه أو لا يمكن في نفسه فإنه عممه بقدر الإمكان.
وقال علماؤنا رحمهم الله: العام يوجب الحكم بعمومه قطعاً وإحاطة، بمنزلة الخاص، أمراً كان أو نهياً أو خبراً. إلا عاماً يمتنع القول بعمومه لكون المحل غير قابل له على ما نذكره، فإنه يجب الوقف فيه حتى يتبين بدليل آخر، ولا يعمل به بقدر الإمكان، وقد دل على هذا القول فتاويهم ومحاجتهم.
أما الفتوى: فقد قالوا- في رجل أوصى لرجل بخاتم وأوصى لآخر بفصه-: أن الحلقة لصاحب الخاتم والفص بينهما. لأن الوصيتين اجتمعتا في الفص، لأن إحدى الوصيتين لا تبطل بالأخرى على ما عرف، ثم الفص اسم خاص له، والخاتم يتناوله بعموم اسمه، فجعلوا الاستحقاق بهما سواء ولم يجعلوا الخاص أولى. هكذا ذكر في "الزيادات".
وذكر في الوصايا: وقرن الوصية بالفص بالوصية بالخاتم وذكر أن الفص لصاحب الفص والحلقة للآخر، لأن الخاص لما قرن بالعام صار بياناً، ولما تأخر لم يصر بياناً وكان عارضاً.
وقالوا– في المضارب ورب المال إذا اختلفا في عموم الإذن وخصوصه وأقاما البينة وأرخا-: كانت العبرة للتاريخ وكان الآخر منهما أولى، فرفعوا الخاص بالعام، كما خصوا العام بالخاص فسووا بين التخصيص والرفع أصلاً ولم يرتبوا العام على الخاص، تقدم الخاص أو تأخر، على ما قاله الخصم في ألفاظ الشرع.
وأما الحاجة: فقد قالوا– بجواز الصلاة بدون الفاتحة لعموم قوله تعالى: {فاقرءوا ما تيسر منه} ولم يروا ترتيب هذا العام على قوله صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب" لأنه خبر الواحد، فجعلوا الآية أولى وإن كانت عامة، والخبر خاصاً، وكان هذا مذهباً ظاهراً لعلمائنا.
أما الواقفون: فإنهم احتجوا بأن العام يذكر ويراد به الخاص، وهذا مشهور بين أهل