فأما قصة موسى فإنه خير في فعل ما جعل الله إليه إيجابه وإنما أنكرنا نحن فيما هو مشروع الله تعالى ولم يجعل للعبد ولأنه خير في فعل ما ليس عليه من معنى زائد، والعبد أبدًا مخير في فعل ما ليس عليه، وإنما أنكرنا إثبات الخيار بين الأقل والأكثر فيما عليه لسقوط الفائدة.
فإن قيل: في العبادات فائدة لأنه في الأكثر زيادة ثواب، وفي الأقل زيادة سعة ورفاهية بخسران ثواب فيختار إما السعة وإما الثواب.
قلنا: أحكام الدنيا لا تبنى على الثواب فإنها من أحكام الآخرة بل على ما نفعله في الدنيا من لزوم ونراه في الأداء كما في حقوق العباد.
ولأن صلاة السفر في إيجاب ثواب الظهر مثل الأربع لأنه كل فرض الوقت والشأن في أداء الكل لا في زيادة العدد، ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن أفضل الصدقة؟ فقال: "جهد المقل" لأنه أدى كل ماله.
وقد ذكر محمد بن الحسن في كتاب الإكراه: إن من أكره على أكل ميتة فصبر حتى قتل؛ أثم، ولو كان مكرهًا على أكل طعام الغير فصر حتى قتل لم يأثم، لأن رخصة الميتة عند الضرورة رخصة سقوط التحريم لأن الله تعالى استثناها من التحريم فلا يصير مطيعًا ربه على إقامة حكمه بالصبر، ورخصة أكل مال الغير عند الضرورة رخصة ترفيه مع قيام الحظر لحق المالك فيصير بالصبر مقيمًا حكم الله تعالى فلا يأثم. فمحمد- رحمه الله- سمى النوع الثاني رخصة دون الأول على اعتبار الحقيقة.