وأما السنة فحكمها: قبل تبين أمرها أن العبد مطالب بإقامتها معاتب على تركها من غير وجوب ولا افتراض، لأن أدنى منزلتها أنها طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو الصحابة، وهذه طريقة أمرنا بإحيائها، ونهينا عن إماتتها، والإحياء في الفعل ما يستحق التارك الملام إلا أن يتركها استخفافًا بها فيكفر أو يفسق لأن ذلك ينصرف إلى واضعها.
وأما النافلة فحكمها: أن يثاب على فعلها، ولا يذم على تركها لأنها جعلت زيادة له لا عليه، بخلاف السنة فإنها طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن حيث سبيلها الإحياء كان حقًا علينا فعوتبنا على تركها، وعن هذا قال أصحابنا رحمهم الله_في صلاة السفر_: أنها ركعتان، لأن العبد لا يلام على ترك الأخريين أصلاً ورأساً، ويثاب على فعلهما في الجملة، وهذا حد النوافل.
وذكر أصحاب الشافعي أن السنة المطلقة عند صاحبنا تنصرف إلى سنة الرسول، وأنه على مذهبه صحيح لأنه لا يرى اتباع الصحابي إلا بحجة كما لا يتبع من بعده إلا بحجة، ويحتمل أنه لم يبلغه استعمال السلف إطلاق السنة على طرائق العمرين والصحابة، لأنه كان بعد أبي حنيفة رضي الله عنه بقرنين أو بقرن واستعمال أهل اللسان سنن المتقدمين مما يختلف ببعد المسافة وطول المدة.
وكذلك لا يفرقون بين الواجب والفريضة، فإنه لما قال بوجوب قراءة الفاتحة أفسد الصلاة بتركها، كما لو ترك أصل القراءة، وكذلك تعديل الأركان، وكذلك لما قال بوجوب الطهارة للطواف، قال بفساده أصلاً إذا تركها، كما قال في باب الصلاة، ونحن شبهناه بالصلاة عملاً فألزمناه القضاء ما دام بمكة ولم نشبهه بها علماً حتى إذا لم يقض لم يحكم ببقاء الطواف عليه، وكذلك إذا طاف منكوساً لأن أصل الطواف ثابت بكتاب الله تعالى والتيامن به بالخبر فلم يبلغه رتبته.
وكذلك إذا لم يطف حول الحطيم لأنه لم يثبت من البيت إلا بخبر الواحد فوجب الطواف به عملاً لا علماً.
وكذلك السعي عندنا واجب وليس بركن في الحج حتى لو تركه جبر بالدم لأنه وجب بخبر الواحد.
وكذلك قال أبو حنيفة ومحمد_رحمهما الله_ في الحج إذا صلى المغرب ليلة الإفاضة من عرفة في الطريق: أنه يعيدها في المزدلفة فإن لم يعدها حتى طلع الفجر سقطت الإعادة، لأن التأخير إلى مزدلفة ثبت بخبر الواحد فظهر في حق العمل دون العلم، والعمل من الرسول صلى الله عليه وسلم من حيث فعل صلاة المغرب كان ليلة النحر في وقت العشاء الآخرة، فإذا ذهب الوقت لم يكن عملاً بالسنة بل كان قضاء محضاً لوقوع الأول فاسداً ونحن لم نعمل بذلك.