قال العبد رضي الله عنه: إن أصل الدين وفروعه من العبادات والكفارات والحدود والمعاملات مشروعة بأسباب عرفت أسباباً لها بدليلها سوى الأمر، وإنما الأمر لإلزام أداء ما وجب علينا بسببه، كما يقول البائع للمشتري: اشتريت فأد الثمن كان الأمر طلباً للأداء لا سبباً للوجوب في الذمة.
وقد بينا في آخر الكتاب في فصل أهلية الآدمي لوجوب حقوق الله تعالى عليه أن أداء الواجب في الذمة لا يجب بحق الوجوب بل بالطلب من مستحقه، وذلك بالخطاب، والوجوب بأسباب شرعية غير الخطاب عرفنا شرع الله تعالى على هذا بدليله مع استقامة الإيجاب بمجرد الأمر وذلك لما ذكرنا في ذلك الباب أنا نجد وجوب حقوق الله تعالى على من لا يصح خطابه، نحو النائم والمغمى عليه والمجنون إذا قصر جنونه، وإن استغرق وقت العبادة، وكذلك الصبي على أصل الشافعي يلزمه الزكاة وكفارات الإحرام والقتل وإن كان طفلاً لا يصح خطابه، فعلمنا بذلك أن الوجوب بأسباب غير الخطاب حتى صحت في حقهم كما في حق غيرهم، وإنه كان لزمهم حقوق العباد بمداينة الولي عليهم ويعتق عليه أبوه إذا ورثه لأن السبب هو الملك، وقد صح في حقه.
ألا يرى أن وجوب الأداء لما كان بالخطاب لم يلزم واحداً من هؤلاء أداء حقوق الناس كما لم يجب أداء حقوق الله تعالى والدليل عليه أن الصلاة تجب مكررة، وكذلك سائر الحقوق، إن كان الأمر بالفعل لا يوجب تكراراً بحال أطلق أو علق بوقت.
فإن من قال لآخر: تصدق بدرهم من مالي لم يملك إلا مرة واحدة، وكذلك إذا قال: حين تصبح أو تمسي، أو قال: لمجيء غد كمال قال الله تعالى: {وأقيموا الصلاة} وقال تعالى: {أقم الصلاة لدلوك الشمس} ونحوها، وكما لم يجب التكرار بهذه النصوص علم أن التكرار بسبب موجب يتكرر كل حين الوجوب.
فنقول وبالله التوفيق:
إن سبب وجوب أصل الدين وهو معرفة الله تعالى، كما هو الآيات الدالة في العالم على حدوث العالم، وهي دائمة أبداً لا يحتمل زوالها عنه، فدام وجوب أصل الدين كذلك بحيث لا يحتمل النسخ والزوال والتبدل، وإنما يسقط الأداء في بعض الأحوال للعجز كما يسقط أداء الصلاة عن النائم مع الوجوب عليه لعجزه، وقد شرحناه في باب أهلية الآدمي لوجوب حقوق الله تعالى عليه.
وسبب وجوب الصلاة أوقاتها بدليل تكرار الوجوب بتكرار الأوقات فإنها لو كانت