وإذا علم هذه الأوصاف علم أنه مملوك لأن المملوك لغة ما قهر بيد الاستيلاء وإنه مقهور بالتكوين والإنشاء.
وإذا عرف أنه مملوك عرف أنه عبد لأن العبد اسم خاص للملوك من العقلاء الصالح لفعل العبادة وهو صالح لها ومملوك فإذا علم نفسه بهذه الصفات عرف ربه ضرورة لأن كونه محدثاً لا يخلو عن محدث، وكونه مقدوراً عليه لا ينفك عن قادر، والمضروب لا يخلو عن ضارب وكونه مملوكاً لا يخلو عن مالك، وكونه عبداً لا يخلو عن إله العبد اسم لمن خلق للعابد ولا بد للعباد من معبود.
الإله لغة: اسم لمن يستحق العبادة، ولهذا سمت العرب الأصنام: آلهة فيعرف بضرورة هذه الصفات التي ظهرت عليه من حيث لا شك فيه أن له إلهاً مالكاً قادراً محدثاً، ولهذا قال النبيصلى الله عليه وسلم:"من عرف نفسه فقد عرف ربه"، وإذا عرف أنه خلق لعبادة ربه، ولا يجوز في الحكمة خلو الصنع عن عاقبة حميدة، وعاقبة الصنع لدى العقلاء. أحد أمرين: فائدة تعود إليهم من جلبة نفع أو دفع ضر أو ظهور الفاعل بعظمته وجلالته وكرمه وصفاته الحسنى بذلك الصنع لدى غيره.
وتعالى الله عن الحكمة الأولى فإن الله غني عن العالمين فتعينت الأخرى وهي ظهور عظمته وقيام الثناء والحمد منهم إياه بالإحسان إليهم ولما وجب أن يكون الخلق لهذه الحكمة وهو أن يعرفوه ويشكروه.
ثم وجدنا الناس بين شاكر وكافر علمنا أن الله تعالى خلقهم ليعبدوه بأمره إياهم على ذلك لا بجبره.
وقد جعلهم مختارين في الإباحة مبتلين بشهوات معلومة فيهم تصدهم عن الإجابة.
ولأن الأحياء يجدون من أنفسهم في أفعالهم حد الاختيار ضرورة ويجدون في أنفسهم ما يصدهم عن طاعة الله تعالى ضرورة ويدعوهم إلى خلافها.
وفي ذلك ما يفوت هذه العاقبة وفوت العاقبة من الصنع دليل على عجز الصانع وتعالى الله عن ذلك فعلمنا أن تعليق وجوب الطاعة بالاختيار من العبد مع خلق الله الهوى والشهوات الصادة عن الإجابة، كان لحكمة أخرى هي فوق حصول الطاعة بلا فوت وهو أن خلقهم لهذه الأعمال ليجازيهم عليها بوفاق أعمالهم. الإحسان بالإحسان، والسيئة بالسيئة، وما كان يجب الجزاء مع الجبر فالفعل من المجبر غير مضاف إليه بل إلى الذي أجبره فكانت الدار تصير داراً واحدة، وهي الدنيا فكان لا يتم للعبيد من الله نعمة لكونهم مبتلين بالعبادة، والكف عن اقتضاء الشهوات متصرفين تحت الأمر والنهي وكان لا يصفو عن الشبهة