اختلف العلماء في حكم الأمر على أربعة أقوال:
فقال بعضهم: حكمه الوقف حتى يأتي البيان.
وقال بعضهم: الإباحة إلا بدليل زائد عليها.
وقال بعضهم: الندب إلا بدليل مغير.
وقال جمهور العلماء: حكمه الوجوب إلا بدليل مسقط.
أما الواقفون: فذهبوا إلى أنا وجدنا موجب الأمر مختلفاً لغة أريد به الإيجاب وأريد به السؤال كقول العبد: اللهم اغفر لي.
وأريد به الإفحام كقول الله تعالى: {فأت بها من المغرب}، وقوله تعالى: {فأتوا بسورة من مثله}.
وأريد به التوبيخ كقول الله تعالى: {واستفزز من استطعت منهم بصوتك}.
وأريد به الإباحة كقول الله تعالى: {فانتشروا في الأرض}.
وأريد به الندب كقوله تعالى: {ومن الليل فتهجد به نافلة لك} ولهذا كان الأمر موضوعاً لغة لما يجب فعله، ولما يباح، ولما يقبح نحو السفه والعبث، فثبت أن الأمر محتمل وجوهاً شتى والمحتمل لا يكون حجة حتى يتعين أحد وجوهه بدليل.
وأما المبيحون: فذهبوا إلى أن الأمر لطلب وجود المأمور به من المأمور، ولا وجود إلا بالائتمار، فدل ضرورة على انفتاح طريق الائتمار عليه وأدناه الإباحة.
فأما الإفحام والتوبيخ ونحوهما فما فهمت مراده للأوامر إلا بدلالة من النص دلت عليه فكانت مجازاً لما لم تفهم إلا بقرينة أخرى على ما قال الله تعالى: {وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غروراً} فتبين أنه وبخهم بما أمره، فالغرور حرام والله تعالى لا يوجب الحرام.
وأما أمر الإفحام فمذكور في باب المناظرة فدل سياق الخطاب أنه للإفحام لأن الحجة إنما تقوم لعجزهم عن المأمور به.
والحكيم عند المناظرة لا ينطق إلا بما تقوم به حجته وهذا كما أن لفظة "المشيئة" للتخيير عن تمليك والله تعالى قال: {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} ثم كان للردع بدلالة السياق: {إنا أعتدنا للظالمين ناراً} النار لا تستقيم جزاء