قلنا: هذه الفائدة حاصلة متى لم يعلل النص وعلق الحكم بعين النص، ولأن تعليل النص بعلة خاصة لا يمنع التعليل بعلة أخرى عامة كما يجوز التعليل بعلتين متعديتين أحدهما أكثر تعديًا من الأخرى دل عليه أن عدم العلة لا يوجب عدم حكمها على ما تأتيك المسألة، وإذا لم يوجب العدم لم يوجب قصر الحكم بوجودهما فلا يثبت ما ادعيت.
فإن قيل: تبقى العلة لإفادة معرفة الحكمة من المشروع.
قلنا: الحكمة مقصورة فيما ابتلينا بها من الأحكام على العاقبة التي بها تثبت حكمة التخليق والاستعباد، وهي من باب العلم والاعتقاد لا من باب العمل، والرأي لا يوجب العلم وإنما يصح القياس لبيان حكمة يتعلق بها العمل فيلغو، إلا على سبيل أن يقال يحتمل أن يكون لحكمة كذا.
ويحتمل كذا فيخرج عن حد الحجة وبهذا الحد يفرغ المرء عن التكليف بمعرفة كثير من الأدلة المنقولة من أخبار الآحاد والنظر بأغلب الرأي فإنهما ليسا بحجة في إفادة العلم.
فمتى لم ترد موجبة عملًا وجب الإعراض عنها بالنظر فيما كلفنا العمل به أو فيما يفيد العلم.
ومثال ما لا يتعدى من العلة تعليلهم الذهب بالذهب مثلًا بمثل بالثمنية، فإنها لا تعدو الذهب والفضة والشرع نص عليها.
وأما الفصل الثاني وهو التعدي إلى حادثة منصوص عليها فلأنا إن عدينا إليها حكم ذلك النص بعينه فما أفاد التعليل شيئًا فأشبه الذي لا يتعدى.
وإن عدينا حكمًا يخالفه بأصله لم يجز بالإجماع لأنه رفع لحكم النص بالقياس.
وإن عدينا حكمًا بوصف زائد فهو أيضًا تعرض لحكم ذلك النص بالرأي.
وكما لم يجز أن يتعرض لحكم النص المعلول بالرأي بتغيير وصف أو زيادة وصف أو تخصيص لم يجز التعرض لحكم النص الآخر بمثله لأنهما مثلان ولأن النص أولى بالعمل به من القياس.
ولأنا متى زدنا على حكم النص زيادة لم يتناولها النص كان بمنزلة النسخ والرفع على ما مضى وأنه في الحقيقة يبتنى على تلك المسألة فالزيادة عنده بيان، وعندنا نسخ وهو من جملة ما جوز تخصيص العام بالقياس والمسألة قد مرت.
وأما التخريج على الشروط المتفق عليها بأن نقول: أما فصل الحكم المخصوص بالنص فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بشهادة خزيمة وحده، وكان مخصوصًا به وقد اشتهر بين الصحابة بهذه الفضيلة وبدليل أن كتاب الله تعالى قصر تفسير الاستشهاد الذي شرعه حجة على الشاهدين، وفسر أنهما رجلان أو رجل وامرأتان فيصير قبول شهادة خزيمة، وحده مخصوصًا لأن النص يرده في غيره.