والخلاف في نصب ابتداء الحكم الشرعي بخلاف أمور الدنيا من الحروب والمعاملات والزراعات فإنها لنا، إما دفعًا عنا كالحروب، وإما طلبًا لما فيه بقاؤنا كاكتساب الأموال.
ولما كانت لنا كانت مفوضة إلى آرائنا إلا بما رأى الشرع الحجر ببيان شافٍ تتميمًا لصلاحنا، وأما الأحكام فلله تعالى فلم يكن لنا إثباتها ونفيها.
وأما الفريق الثاني فقرب من الفريق الأول لأن الإلهام وحي خفي، ومن له الوحي الجلي يكون له الوحي الخفي.
وحد الإلهام أن يؤخذ على قلبه حتى لا يرى إلا شيئًا واحدًا فيعرف صاحبه بقرار القلب عليه أنه من الله تعالى، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن روح القدس نفث في روعي أن نفسًا لن تموت حتى تستوفي رزقها ألا فاتقوا الله وأجملوا في الطلب" وقال الله تعالى في قصة داود وسليمان: {إذ يحكمان في الحرث} إلى قوله: {ففهمناها سليمان وكلًا أتينا حكمًا وعلمًا} غير أن الإلهام أمر خفي ما يبنى الأمر عليه، فإنا كلفنا البناء على الظاهر الذي نقف عليه وسيأتيك بيان الإلهام بعد هذا إن شاء الله تعالى.
وأما القول الثالث: فالحجة له قوله تعالى: {فاعتبروا يا أولى الأبصار} من غير تفصيل بين الأمة والنبي صلى الله عليه وسلم.
وقال تعالى لرسوله: {وشاورهم في الأمر} ولو لم يكن له فصل الأمر بالرأي لما أمره بالمشورة ولا ينال بها إلا بالرأي، وظاهر هذا الأمر لا يخص بابًا.
فإن قيل: يحتمل أنه أمر به تطييبًا لنفوسهم.
قلنا: ظاهر الأمر بخلافه، والصحابة ما كانوا يعلمون إلا الظاهر وكانوا يعتقدون ذلك فكان لا يحل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرهم عليه ولو بين لهم أنهم يشاورون، ولا يحل العمل برأيهم ما طابت به نفوسهم بل خبثت فإنه من باب الاستهزاء.
وقد شاور رسول الله صلى الله عليه وسلم في أسارى بدر أبا بكر وعمر وعمل بقول أبي بكر ثم نزل العتاب.
وروي أن خولة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ظهار زوجها منها؟ فقال: ما أراك إلا قد حرمت عليه، فقالت: أشتكي إلى الله تعالى، فأنزل الله تعالى آية الظهار.
وسأله عمر عن القبلة للصائم؟ فقال: أرأيت لو تمضمضت بماء ثم مججته أكان