باب
التكذيب من جهة الراوي يلحق الخبر من جهات أربع:
إنكاره الرواية نصًا وعملًا بخلاف الخبر قبل الرواية أو بعدها, وامتناعه عن العمل به.
فأما الإنكار نصًا: فما اختلف فيه أهل الحديث:
فمنهم من زيف الحديث به ورده.
ومنهم من قبله.
وروى ربيعه عن سهيل عن أبى صالح عن أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بشاهد ويمين, فسأل سهيل فلم يذكره, فقيل له: إن ربيعة يرويه عنك, فكان يقول بعد ذلك: حدثني ربيعة عني. وعن أبي يوسف ومحمد- رحمهما الله- في قاض ادعى رجل عليه قضاه بحق له على رجل فلم يذكره, فأقام عليه البينة بذلك- قال أبو يوسف: لا يسمع البينة, وقال محمد: يقبلها وهذه شهادة عليه وهو منكر, فتدل هذه المسألة على اختلافهما على ذلك في مسألة الرواية, لأن نفس الرواية في باب الدين كالشهادة في حقوق الناس إلزامًا, ولا يجوز أخذ هذا من الشهادة على الشهادة, فإنها تبطل بإنكار الأصل لأن شاهد الفرع لا يشهد عن علم بل عن تحمل على ما عرف.
ألا ترى أنه لا بحل له أن يشهد بأصل الحق ولا تقبل شهادته حتى يقول, وأمرني أن أشهد على شهادته أو: أشهدني.
فأما الذين قالوا بالقبول فاحتجوا بما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم: "صلى إحدى صلاتي العشاء فسلم على رأس ركعتين فقال ذو اليدين: يا رسول الله أقصرت الصلاة أم نسيتها؟ " فقال: "كل ذلك لم يكن". فقال: "وبعض ذلك قد كان, فأقبل على القوم وفيهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما فقال: أحق ما يقوله ذو اليدين؟ فقالا: نعم, فقام وصلى ركعتين" فقبل روايتهما وهو منكر وهذا ظاهر فيما يتعاطى الإنسان من أمور دينه فقد ينسى عمله ويعمل بخبر غيره.