فأما إذا قال له الراوي: أجزت لك الحديث عني بما فيه، والسامع غير عالم به فلا يحل له، فإنا قد ذكرنا أنه لو سمع، ولم يعلم لم يحل فكيف الإجازة.
وهذا كما قالوا في القاضي يشهد الشاهد على كتابه أو المقر على صك عليه، والشاهد لا علم له بما فيه أن شهادته باطلة.
وهذا مذهب أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله، وقال أبو يوسف: جائز ذلك إذا كان الكتاب معلوماً بنفسه وصورته بحيث يعلم ما يزاد فيه أو ينقص منه، فأما ما كان على غير ذلك ينبغي أن لا يحل بحال لأنه لا يدري عند الشهادة أنه ذلك إلا أن يشهد على كتاب ويسلمه إلى الشاهد فيصير كالمختوم.
والاحتياط فيما قاله أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله، لأنه إذا لم يعلم بما فيه كان الضبط بالخط والختم وكل ذلك يحتمل التغيير فإن الخط يشبه الخط والكتاب يشبه الكتاب وكذلك الختم.
ثم الإجازة إذا صحت كانت كالسماع وحلت الرواية بحدثنا، أو خبرنا جميعاً لأنهما خطاب.
فأما الكتاب والرسالة فإنما نقول: أخبرنا بكذا، ولا نقول: حدثنا، كما نقول: أخبرنا الله بما أنزله من كتاب ورسول، ولا نقول حدث ولا كلم، وكان موسى عليه السلام مخصوصاً بالتكليم.
فأما إذا كان الكتاب إماماً فمن أهل الحديث من جعل الكتاب كالسماع، وقال: إذا وقع في علم الراوي أنه كتابه بسماعه وخطه ووثق به أو كتاب أبيه بخطه وله ثقة بعلمه بخط أبيه حلت له الرواية كما لو سمعه، وتذكر سماعه ما فيه، وعلى هذا يجب أن يحل له إذا علم أنه خط راو معروف فلا فرق بين خط أبيه وخط غيره.
وقال أبو يوسف في باب القضاء: إن القاضي إذا رأى خطه بقضاء فلم يتذكر حل له العمل بذلك إذا كان قمطره بخاتمه.
وقال أيضاً- في الشاهد- أنه يحل له أن يشهد بخطه وإن لم يتذكر. فعلى هذا تحل له الرواية بالخط وإن لم يتذكره.
وعلى قياس قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله؛ أنه لا يحل له إلا بعد التذكر ولا تقبل روايته عن الخط بنفسه.
وهذا هو الصحيح لأن الخط في الأصل لم يوضع إلا للتذكرة فما في عينه إعلام وإنما الكتاب للقلب بمنزلة المرآة للعين، وإنه لا عبرة بالمرآة إذا لم تر بها العين وجهه فكذا الكتاب إذا لم يتذكر القلب به علماً.