الحد بينهما، والمعتوه بمنزلته لأنه هو الذي اختلط عقله ولم يزل، وكذلك المغفل هو الذي به غلبة النسيان فلا يبقى له ضبط لما يسمع فيلتحق بغلبة النسيان بالذي انتقص عقله أو به غفلة عن التأمل والتحفظ فليلتحق بالعاجز عن الحفظ بترك استعمال الآلة.
وأما العاقل البالغ الفاسق: فقد أخبر عن عقل تام وضبط إلا أنه متهم بالكذب لفسقه، فإن الفسق في ارتكاب الإنسان ما اعتقده حراماً في دينه فأما إذا ظهر منه ذلك وفيه مكابرة لدينه وعقله، فإن عقله يلزمه إقامة دينه اتهم أيضاً بالكذب مكابراً لعقله ودينه.
والكافر العدل في تعاطيه بمنزلته فيما يخبر من أمور الدين لظهور العداوة فيه بيننا وبينهم، والعداوة سبب تحمل المرء على مكابرة عقله فيما يضر بعدوه.
وكذلك كل من أخبر على عدوه أو أخبر لمن اتهم به كالأب لولده ونحوهم فهؤلاء كلهم متهمون بالكذب بأسباب باعثة على الكذب لا بقلة الضبط وخبرهم مما يجب التثبت فيه، لقوله تعالى: {إن جاءكم فاسق بنبإٍ فتبينوا} الآية، إلا في بعض الأحوال على ما يأتيك بيانه في الباب الذي يليه.
ولهذا المعنى يجب التثبت في القسم الأول إلا فيما استثنى بدليله لأن التهمة بسبب الغفلة ونقصان العقل تقرب من تهمة قصد الكذب بأسباب باعثة عليه مع كمال العقل.
وأما العدل: فخبره حجة لترجح جهة صدقه على جهة كذبه، على ما مر في الباب الأول، ولا يبطل إلا بمعارضة.
وأما خبر الرسل: فحجة موجبة علماً يقيناً لقيام الدلالة على عصمتهم عن الكذب كرامة من الله تعالى حتى صلحوا لنقل رسالته، وخبرهم من قبيل ما مضى من الحجج الموجبة.