البيان على كل واحد من الجملة دل ضرورة أنه مقبول منه ذلك وواجب قبوله كما كان يجب من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك كل مأمور بشيء إذا أتى به كما أمر كان القبول منه حقاً له، وقال الله تعالى: {فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون} والفرقة اسم لجماعة أقلها ثلاثة، والطائفة منتزعة منهم فيكون بعضهم وبعض الثلاثة واحد او اثنان وقد يسمى الواحد طائفة قال الله تعالى: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا} روي أنهما كانا رجلين، وقد دلت عليه الآية: {فأصلحوا بينهما} إلى قوله: {فأصلحوا بين أخويكم} ولم يقل بين إخوتكم.
وإن جعلنا الطائفة جماعة فهي إلى العشرة وخبرهم يحتمل الكذب. ولن أحداً لم يقل أن الطائفة او الفرقة اسم جماعة بلغوا عدداً نشترطه في التواتر، والله تعالى أمر الطائفة بالتفقه ثم بإنذار قومهم بما تعلموا، ولو لم يكن قولهم حجة لما وقع به إنذار ولا حذر.
فإن قيل: إن الله تعالى أمر به الطوائف أجمع.
قلنا: قد ذكرنا أن الجماعة المضافة إلى جماعة حقيقية آحاد في حق كل مضاف إليه كقولنا: لبس القوم ثيابهم، وركبوا دوابهم، ولأنه قال: {إذا رجعوا إليهم} علق الإنذار بالرجوع، ولا يتصور الرجوع من الطوائف كلها إلى قوم واحد منهم لأنه اسم للعود بعد المسير عنهم وإنما يسمى الآتي ابتداء قادماً.
ولأن الواجب لو كان اجتماع الطوائف والدوران على الناس لكان أمراً مشهوراً لا يخفى ذلك.
ولو كان الحق متعلقاً بذلك لوجب نقل ذلك كما نقلت الطهارة وسائر الفرائض، ولكان لا يندرس أثره فلما لم ينقل علم أنه لم يكن.
ولو وجب ذلك لما تركهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والإعراض عنه. على أن الحجة قائمة مع الاحتمال لأنهم إذا اجتمعوا وداروا وجب الحذر من قولهم وبيانهم بظاهر الآية، وبعد الاجتماع جائز عليهم الاتفاق على الكذب عادة وإنما يصير الخبر حقاً من الجماعة إذا كانت الجماعة جماعة لا يتوهم عليهم الاتفاق يقيناً على الكذب عادة، والاتفاق على الكذب عادة يتوهم على المجتمعين عادة.
فإن قيل: إنما يلزم الواحد البيان، ولكن لا يلزم السامع القبول حتى يكثروا كالشاهد الواحد يلزمه أداء الشهادة ولكن لا يجب على القاضي العمل حتى يتم العدد.
قلنا: إن الله تعالى ألزم البيان ليحذر الناس ولم يشترط عدداً فمتى لم يلزم العمل