المنصوص عليها غيرت أحكامها لا عن اختيار إلى العموم عن الخصوص.
فإن قوله صلى الله عليه وسلم: "الحنطة بالحنطة مثل بمثل والفضل ربا" غير حال بالحنطة.
ولكن قولنا: إنه مكيل أو مطعوم حال بها.
وهذه العلل تسمى مقاييس لأنها قد تستنبط بالمقايسة فسميت باسم سببها وتسمى نظرًا لهذا المعنى.
وأما حكمها: فالعلم على شبهة متى أريد بها هذه العلل التي هي مقاييس اجتهاد، وقد توجب حكم العلة بلا شبهة إذا أثبتت عللًا بطريق بلا شبهة.
وقد يجوز أن تسمى هذه العلل الشرعية أدلة لأن هذه المعاني دلتنا على حكم الله تعالى في الفروع.
وعلل الشرع أعلام وآيات في الحقيقة على الأحكام والموجب هو الله تعالى.
ولا يجوز أن تسمى الأدلة عللًا لأن في العلة معنى الإيجاب، وما في الدليل ذلك كالدخان نسميه دليلًا على النار ولا نسميه علة.
وكل دليل على شيء علة في حق علمك لأن العلم وجب لك به.
وأما الحال: فعبارة عن الحكم الثابت عن دليل غير متعرض لبقائه ولا لزواله محتمل للزوال بدليله لكنه ملتبس عليك حاله لأن ما ثبت دام حتى يقوم دليل البطلان، على ما نبينه في موضعه.
ثم كل نوع مما ذكرنا من أنواع الحجج ينقسم إلى قسمين: ظاهر وباطن.
فالظاهر: ما عقل بالبديهة.
والباطن: ما لم يعقل إلا بتأمل. فعصا موسى كانت آية ظاهرة، إذ تلقفت عصي آل فرعون فعلمتها السحرة آية ببديهة عقولهم، وكذلك انفلاق البحر وانفجار الصخرة.
والقرآن لمحمد صلى الله عليه وسلم آية باطنة ما يعرف معجزة إلا بعد تأمل ونظر ومعارضة بسائر أنواع كلام البشر، وما للظاهر رجحان بظهوره، ولا للباطن رجحان ببطونه، بل الرجحان موقوف على قدر الأثر في مضمونه.
ألا ترى أن الله تعالى خلق الدنيا ظاهرة والآخرة باطنة، ثم لم يكن الرجحان بظهور ولا بطون بل كانت الراجحة منهما ما كانت باقية.
وكذلك الرأس ظاهر والقلب باطن ولكل واحد منهما ضرب درك، وكان الرجحان للقلب لوقوفه على العاقبة.