قلنا: إنما توقفنا في شهادة الفاسق بقول الله تعالى: {إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا} لا بقيد العدالة في البعض، وبقوله: {ممن ترضون من الشهداء} والفاسق لا يرتضى بشهادته.
والجملة: أن النفي ليس من جنس الإثبات ليثبت بدليل النص ولا مما دخل تحت النص ليثبت به أو إشارته ولا مما لا يستغنى النص عنه ليثبت مقتضى به، لأن القياس في علتين أو شرطين أو حكمين فتعيين أحدهما لا يوجب تعيين الآخر إذا كانا ينفصلان فكان هذا من جنس الاستدلال بلا دليل والاحتجاج بلا حجة، وإنه كلام متناقض في نفسه، وسيأتيك بيانه على الوجه في أبواب المقاييس في باب مفرد لقولهم لا دليل حجة، وبالله التوفيق.
ثم الخصم ترك أصله في الصوم المطلق حيث لم يشترط التتابع والله تعالى قيد بعض الصيام بالتتابع.
فإن قيل: إن الله تعالى قيد بعض الصيام بالتتابع وبعضها بالتفرق كما في صوم المتعة، وقال: {فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم} فالعشرة الكاملة صوم المتعة بالنص، ولو صامها متصلة لم يجزه فالمطلق منها بقي على إطلاقه لتعارض وقع بين التفريق والتتابع.
قلنا له: إن صوم السبعة لا يجب إلا بعد الرجوع فلم يصح الأداء قبله، كمن صام رمضان قبل الوقت لا أن يكون الفساد لعدم التفريق حتى لو فرق ولكن صام قبل الرجوع لم يجزه فعلم أن الفساد ليس لعدم التفريق وأنه ليس بشرط للجواز، والتتابع شرط الجواز فلا يبقى للتتابع معارض، ومع ذلك المطلق من الصيام لم يتقيد بالتتابع فبطل هذا الأصل.
فإن قيل: ألستم قلتم في رجل له أمة فولدت ثلاثة أولاد في بطون مختلفة، فقال الأكبر: ابني لم يثبت نسب الأصغرين، وإن كان المذهب عندكم أن ولد أم الولد يحدث ثابت النسب ولا ينتفي إلا بالنفي وقد صارت أم ولد بالولد الأكبر، فعلم أن نسب الأصغرين ما انتفى إلا بنفي وإن تخصيص الأكبر بالإثبات، نفي لنسب الأصغرين.
قلنا: قد ذكرنا أن التخصيص بوصف سكوت عما وراءه غير أن السكوت في موضع الحاجة إلى بيان حجة على أن حكم المسكوت عنه بخلاف المنطوق به لأنه لو لم يكن كذلك لما حل السكوت عن بيانه مع وقوع الحاجة إليه، وفي غير موضع الحاجة إلى