الوجود لا يكون بعلة ولكن بانعدام علة الوجود أو سببه فلم يكن من حكم العلة إلا وجوب الحكم عندها، فإنه السبب لابتداء الوجوب والتعليق لتغيير حكم الوجوب بعد وجود سبب الوجوب فجرى مجرى الأصل ولهذا لم يجوز الشافعي تعليق الطلاق أو العتاق بالملك، لأن وجوده لا يسبق الملك وملك المحل هو الشرط لابتداء صحة التطليق أو الإعتاق فيه والتعليق لتغيير حكمهما بعد وجودهما، فلا بد أن يكون ملك التعليق مرتباً على شرط صحة العلة.
وقال الشافعي- رحمه الله-: لا يجوز نكاح الأمة حال وجود طول الحرة لأن الله تعالى قال: {ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات} فعلق جواز نكاح الأمة بعدم طول الحرة فأوجب الإباحة عند عدم الطول ونفيها عند وجود الطول.
وقال أيضاً: لا يجوز نكاح الأمة الكتابية لأن الله تعالى علق الإباحة في الأمة بصفة الإيمان وقد ذكرنا أنه يجري مجرى الشرط.
وقال: إن تعجيل الكفارة قبل الحنث جائز، وإن علق الوجوب بالحنث كما لو قال: إن دخلت الدار فعلي كفارة لأنه، على أصله بمنزلة التأجيل، كأنه قال: لله علي أن أتصدق بدرهم غداً، والأجل لا يمنع تعجيل العبادة المالية بالإجماع فكذلك الكفارة بالمال وهذا لما ذكرنا أن ابتداء وجوب الحكم يكون مع السبب لا مع الشرط.
وإنما يكون مع الشرط تأدية فإذا وجد السبب لم يمتنع أداؤه قبل الشرط فيما يتصور وجوده ثابتاً قبل فعل الأداء من نحو العبادات المالية لأنها حقوق مالية تجب في الذمة ثم تؤدى بالفعل كديون العباد، فيتصور فيها الفصل بين الواجب بنفسه وبين وجوب الأداء على العبد فعلاً، كما في الديون المؤجلة فإذا تأخر الأداء بسبب جاز التعجيل بعد السبب بناء على ثبوته في نفسه.
فأما البدني فلا يمكن الفصل فيه بين الواجب وبين المؤدى فإنه فعل فيكون ابتداء وجوده حال الأداء فالشرط الذي يؤخر الأداء كينونته في نفسه فيمنع ثبوته قبل الشرط ويستوضح هذا بالعقد الوارد على العين دون الذمة، كمن اشترى عبداً بعينه فلا بدأن يكون التسليم مرتباً على ملك المبيع في نفسه.
وإذا اشترى منفعة عين نحو استئجار الدار لم تسبق المنفعة في الحقيقة التسليم لأنه لا يبقى زمانين، فحال التسليم حال ابتداء دخوله تحت العقد حقيقة، فكذلك ما يلتزم في الذمة إن كان الملتزم مالاً فالأداء يترتب على الواجب، ويمكن الفصل بينهما حقيقة أو اعتباراً، وإن كان الملتزم فعلاً فلا يمكن الفصل بين المؤدى والواجب.
وأما علماؤنا فإنهم ذهبوا إلى أن الأسباب الموجبة للأحكام إذا علقت بالشروط كان