ولما خص هذه الصلة بالكسوة وهي اسم لثياب تكتسى وبالإطعام علم أن سبب الاستحقاق حاجة خاصة أيضاً، وهي الحاجة إلى الإطعام والإكساء وهذه الحاجة مما يتجدد بالأزمنة لفقير واحد على أصل الخلقة، فصار الواحد على اختلاف الأزمنة المجددة للحاجة قائماً مقام العشرة بإشارة النص إلى هذه العلة، لا بذكر بالنص فصارت الآية نصاً على شرع أنواع ثلاثة، ونصاً على التخيير، وإشارة باختيار اسم الفعل لأحدهما واسم الثوب للآخر على تعليق الحكم بعين المنصوص عليه من الفعل، وبزيادة على المنصوص عليه من اسم الثوب.
وإشارة أيضاً باختيار الاسم المشتق من الأكل والاكتساء اللذين لا يتصوران إلا بحاجة إلى العلة التي بها صار الفقير أهلاً للصرف إليه فجرت الإشارة من النص مجرى التعريض والكناية من الصريح والمحتمل من المحكم أو المشكل من الواضح الذي لا ينال المراد به إلا بضرب تأمل، وتبين ثم قد يوجب العلم بموجبه بعد البيان، وقد لا يوجب وإنه من أبلغ الكلام فقد أصاب عرضين بنص واحد فهذان نوعان ظاهران ثابتان بالظاهر نفسه بلا زيادة ولا نقصان والله أعلم.
وأما الثابت بدلالة النص: فما ثبت بالاسم المنصوص عليه عيناً أو معنى بلا خلل فيه، ولكن في مسمى آخر هو غير منصوص عليه.
فمن حيث كان الموجب ثابتاً بمعنى النص لغة بلا خلل لم يكن الحكم في المحل الذي لا نص فيه ثابتاً قياساً شرعياً، لأن معناه بلا خلل فيه معروف باللغة لا بالشريعة.
ومن حيث ثبت في محل لا نص فيه لم يكن منصوصاً عليه بعينه فسميناه دلالة النص لأن الحكم أبداً يعم بعموم موجبه فالمحل المنصوص عليه وإن كان خاصاً فالموجب عام فدل عمومه على عموم الحكم لما لا نص فيه.
مثال قوله تعالى: {فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما} فالتأفيف حرام نصاً والشتم والقتل دلالة النص حتى فهمه كل من عرف معنى النص لغة كما لو كان النص عاماً، وذلك لأن الحرام بالنص التأفيف وإنه اسم وضع لكلام فيه ضرب إيذاء واستخفاف فصار حراماً بمعناه لا بصورة النظم حتى لا يحرم على قوم لا يعقلون معناه أو كان عندهم هذا اسماً لضرب كرامة فكانت الصورة محلاً للمعنى.
ولما كان سبب الحرمة معناه وهو الإيذاء وإنه بقدره موجود في كلمات أخر وأفعال من الضرب والقتل مع زيادة ثبتت الحرمة عامة، ولم يكن قياساً.
فالقياس منا: استنباط علة من النص بالرأي ظهر أثرها في الحكم بالشرع لا باللغة متعدية إلى محل لا نص فيه كما قلنا في قوله صلى الله عليه وسلم: "الحنطة بالحنطة" إنه معلول